عبدالإله حمدوشي يكتب: «الشوافة» لا تملأ صندوق الانتخابات!

22 يوليو 2020 - 19:39

بالنظر إلى تاريخ الانتخابات بالمغرب، سنجد بأنه تاريخ صراع بين إرادتين: إرادة النضال من أجل نزاهة الانتخابات وشفافيتها، وإرادة تحريف وتزوير إرادة الناخبين بطرق مختلفة..

في الصف الأول اصطفت إرادة الأحزاب الوطنية التي خرجت من رحم الشعب، وفي الصف الثاني جرى توظيف الأحزاب المصنوعة على عجل لإقامة التوازن، ولهذا جرى وضع جميع الآليات السياسية والقانونية لضمان عدم فوز الأحزاب المنحدرة من رحم الحركة الوطنية، والتي تمثل القوى الحية في البلاد من إمكانية تحقيق الأغلبية في البرلمان..

ورغم التحولات العميقة التي عرفها المجتمع المغربي، والتي تجسدت في خروج الشباب المغربي للاحتجاج في الشارع ذات 20 فبراير من سنة2011 للمطالبة بالديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية، والذي نجح في إيقاف المد التحكمي لحزب “الأصالة والمعاصرة” الذي بسطت له الأرض بما رحبت من أجل التحكم في مصير البلاد والعباد؛ فقد أصر مهندسو الانتخابات على الحفاظ على الآليات القانونية والتنظيمية التي تضمن عملية التوازن المصنوع، والحيلولة دون حصول الأحزاب الحقيقية على الأغلبية في البرلمان.. فقد جرت صناعة تجمع الأحزاب الثمانية G8  في مواجهة حزب العدالة والتنمية، ورغم حصول الأخير على الرتبة الأولى التي مكنته من رئاسة الحكومة، تطبيقا لمقتضيات الدستور الجديد، فقد فرضت على الحزب تحالفات صعبة، ولم تعرف الحكومة استقرارا طبيعيا، فبعد دخول حزب استقلال/ عباس الفاسي، جاء حزب استقلال/ شباط، ليقلب الطاولة على الحكومة في محاولة لإسقاطها، قبل أن يتم الإيعاز لحزب “الأحرار” بالدخول للحكومة بعد تعديل حكومي مؤلم، أخرج سعد الدين العثماني من وزارة الخارجية لتُسنَد لزعيم “الحمامة” آنذاك، الذي أغنى القاموس الدبلوماسي الوطني بمصطلح جديد هو مصطلح “الفعفعة”.

أما الانتخابات التشريعية لسنة 2016، فقد كانت مسبوقة بحملات إعلامية مكثفة ومنسقة، لفائدة حزب “البام” الذي استفاد من دعم الأيادي الخفية بشكل مباشر، وصل ذروته مع ما سمي بمسيرة “ولد زروال” التي لازالت تمثل وصمة عار في تاريخ هذا الحزب ومن يقف وراءه.

اليوم، يحاول البعض أن يستعير دور “الشوافة” لقراءة فنجان2021 حسب هواه، ويتعب نفسه من أجل الدعاية لحزب معين، وإعطائه موقع الصدارة في الانتخابات المقبلة بناء على تكهنات لا تستند إلى أي مؤشر ميداني أو تحليل علمي رصين، بقدر ما يحكمها العداء المستحكم لحزب العدالة والتنمية، وحشد ما يستقيم وما لا يستقيم من أسلحة لإزاحته بمختلف الطرق من صدارة المشهد الحزبي.

بعض التحاليل الغريبة التي تحتاج – هي ذاتها- إلى تحليل، بدأ أصحابها مؤخرا بالتنبؤ لهذا الحزب أو ذاك بالفوز بالانتخابات، مع محاولة تأطير المشهد الإعلامي بمختلف الصور التي تخدم اتجاها بعينه، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التساؤل عن معايير النزاهة والشفافية التي ستجرى فيها الانتخابات المقبلة، وعن العروض السياسية الممكن تقديمها من قبل الأحزاب في ظل وجود قواعد انتخابية عتيقة، تحتاج إلى المزيد من المراجعة والتجويد.

إن التساؤل الذي يواجه المغرب اليوم، هو كيف يمكن أن ننجح في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة منسجمة مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الباب؟ وما هي الشروط السياسية والقانونية التي تضمن مشاركة مكثفة للناخبات والناخبين فيها؟

أما ضرب “الخيط الزناتي” حول الحزب الفائز في الانتخابات، بغرض الدعاية والاستهلاك الإعلامي وتهريب النقاش العمومي وتمييعه، لن يفيد في شيء.

ولذلك، من أراد أن يتحدث في الانتخابات، فليتحدث في مرتكزاتها القانونية وضوابطها التنظيمية.. وليشرح لنا ما هو نمط الاقتراع الأكثر عدالة؟ وما هي معايير التقطيع الانتخابي الملائمة التي تضمن المساواة والعدالة في توزيع أصوات الناخبين؟ وبكلمة: فليقل لنا ما هي الشروط الضرورية لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وبنسبة مشاركة محترمة نستطيع بها تعزيز جبهتنا الداخلية، وتمنيع الدولة ومؤسساتها من أي استهداف خارجي، مع العلم أننا سنخوض تجربة إجراء استحقاقات انتخابية جماعية وبرلمانية خلال سنة 2021 ذاتها؟ أما لعبة التكهن بالرتبة الأولى وممارسة “تشوافت” فهي لعبة بليدة، لا تكتسب مشروعيتها إلا في ظل انتخابات حرة ونزيهة لا مجال للطعن فيها، وانفراج سياسي وحقوقي مساعد، لتعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، ولمواجهة ظاهرة العزوف الانتخابي المحتملة.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي