عبد الحق بلشكر: الصمود الاجتماعي والاقتصادي

04 أغسطس 2020 - 18:00

من أبرز الخلاصات التي يمكن الوقوف عليها في التقرير السنوي الأخير لبنك المغرب، الذي قدمه والي بنك المغرب أمام الملك محمد السادس الأسبوع الماضي، أن السنوات المقبلة ينبغي أن تتسم بسياسات تضمن تعزيز «الصمود الاجتماعي والاقتصادي». هذه الحقيقة ليست مرتبطة فقط بتأثير جائحة كورونا، التي أصابت الاقتصاد العالمي بالكساد، إنما أيضا مرتبطة بتقييم أداء الاقتصاد الوطني خلال العشر سنوات الماضية، ومدى انعكاس ثماره على عيش المواطن. صحيح أن المغرب قاوم الصدمات الخارجية، ونجح في ذلك بسبب استقراره وانفتاحه وتنويع شراكاته، خاصة مع بلدان الجنوب والبلدان الإفريقية بشكل خاص، كما فرض مكانته في قطاعات اقتصادية مهمة، كصناعة السيارات والطائرات والطاقات المتجددة، بل إن المغرب من الدول القلائل في القارة الإفريقية، حسب تقرير البنك، التي لاتزال تحافظ على تنقيط سيادي من فئة «الاستثمار»، ما يجعله من أكثر البلدان استقطابا للاستثمارات الأجنبية. لكن ما تحقق داخليا خلال العشر سنوات الأخيرة يبقى دون الانتظارات؛ أولا، في ما يتعلق بتحسين مستوى عيش السكان: صحيح أن هناك إنجازات تحققت خلال العشر سنوات الماضية في مجال محاربة الفقر وتعميم التمدرس، لكن التقرير يفيد بأن «الأداء مازال غير كافٍ عموما لتحسين مستوى العيش بشكل ملموس وشامل». فخلال العشر سنوات الماضية، ارتفع المتوسط السنوي للناتج الداخلي الإجمالي للفرد بـ2,3 في المائة، وفي العشر سنوات التي سبقتها، ارتفع بـ3,4 في المائة. في ظل هذه الوضعية، يظل المغرب مصنفا ضمن «الشريحة الدنيا لفئة البلدان ذات الدخل المتوسط»، في حين أن بلدانا أخرى، كانت تنتمي إلى الشريحة نفسها، «استطاعت أن ترتقي إلى فئات عليا في السنوات العشرين الأخيرة».

ثانيا، اقتصاد المغرب لا يخلق فرص عمل كافية، ما يدفع آلاف السكان النشيطين، خاصة الشباب، نحو «وظائف غير مهيكلة وهشة». ويلاحظ بنك المغرب، في تقريره، أن الطلب القوي على الحصول على المساعدات المالية، التي تقدمها الدولة للتخفيف من آثار كوفيد19، أظهر أن أكثر من 5 ملايين أسرة، أي أكثر من نصف سكان المغرب، تعيش من أنشطة غير مهيكلة، وأن جزءا كبيرا منها يفتقر إلى الحماية الاجتماعية.

أمام هذه الوضعية التي فاقمتها جائحة كورونا، كيف يمكن الصمود في السنوات المقبلة؟ يفيد التقرير بأنه من اللازم أن تشكل تدابير حماية الاقتصاد وإنعاشه، في القريب العاجل، أولوية السلطات العمومية، لكن ينبغي، على المديين المتوسط والطويل، «إرساء سياسة فعلية للاستثمار في الصمود الاجتماعي والاقتصادي»، والأخذ بعين الاعتبار التحولات المرتقبة على إثر الجائحة وطنيا ودوليا.

وهنا يوصي بنك المغرب باعتماد ركيزتين؛ الأولى اجتماعية، من خلال توفير عروض كافية في المجال الصحي وإتاحتها للمواطنين، خاصة المهمشين، وهذا سيتطلب استثمارا كبيرا في البنيات التحتية وموارد النظام الصحي، وتحسين استهداف المواطنين من الدعم عبر السجل الاجتماعي الموحد.

كما يؤكد التقرير ضرورة الاهتمام بإصلاح التعليم عبر تطبيق القانون الإطار لـ«الرؤية الاستراتيجية» داخل الآجال المحددة، وتعبئة الموارد البشرية والمادية اللازمة.

أما ركيزة الصمود الثانية، فهي «رفع مستوى تنافسية الاقتصاد». يفيد تقرير البنك بأن المغرب، خلال العشر سنوات الأخيرة، طور عرضا تصديريا يتمحور حول المهن العالمية )مثل السيارات والطائرات(، إلا أنه «يبقى عرضا محدودا من حيث المحتوى، ورهينا بالواردات»، ما يقلص تأثيره على الاقتصاد وفرص الشغل، وهو ما يفاقم العجز التجاري.

وهنا يحذر التقرير من أن الجدل الذي أثير أخيرا حول اتفاقيات التبادل الحر، والمحاولات الرامية إلى إرساء تدابير حمائية، من شأنه أن «يمس بصورة وجاذبية المغرب في محيط تهيمن عليه تنافسية قوية لجذب الاستثمارات». وهنا يسائل التقرير عملية اتخاذ القرار لتوقيع اتفاقيات التبادل الحر، لأنها «تستدعي المزيد من الترقب وتحليل الميزات والتكاليف على المدى الطويل».

ويظهر من الخلاصات التي عرضها بنك المغرب أن الأفكار حول الاهتمام بالجانب الاجتماعي والاقتصادي ليست جديدة، رغم أنها أخذت بعدا جديدا في ظل الجائحة، فالنقاش حول توفير عرض صحي وتعليمي جيد للمواطنين، وأيضا تفعيل نظام الاستهداف عبر السجل الاجتماعي، وتوفير التغطية الصحية، مطروح منذ سنوات، كما أن التوجهات حول دعم تنافسية الاقتصاد لا يختلف حولها أحد، سواء من السياسيين أو الاقتصاديين، لكن السؤال الأساسي هو: من أين ستأتي الموارد المالية لضمان الصمود الاجتماعي والاقتصادي، خاصة في ظل الأزمة الحالية؟ وكيف يمكن تعزيز الحكامة وضمان التعبئة الشاملة لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة؟.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي