الملا عبد السلام ضعيف: حين تآمرت الباكستان مع أمريكا وإيران وتحالف الشمال ضدنا- الحلقة 31

26 سبتمبر 2020 - 07:30

الملا عبد السلام ضعيف، رجل من رجالات الصف الأول في أفغانستان، وأحد الذين شاركوا في المفاوضات التي أددت إلى نشوء حركة طالبان، كان صوتا إعلاميا للزعيم الروحي لهذه الحركة الملا محمد عمر. مذكرات كتبها ضعيف بيده، وقال فيها كل شيء، باح بما له وما عليه: نشأته ودراسته في المدارس الدينية، ودوره في صد الحرب السوفياتية على أفغانستان. كشف خفايا علاقته بطالبان ما خبره من مفاوضات سرية وعلنية، داخلية وخارجية، وأسرار تقلبه في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائبٌ لوزير الدفاع ونائبٌ لوزير المناجم والصناعة. هنا في هذه المذكرات المثيرة، سيكشف الملا ضعيف، عن طبيعة العلاقة مع الأميركيين، وما يدور في ميدان المعارك، وخلف الكواليس السياسيّة من صفقات وأسرار. دوره منذ أحداث 11 شتنبر التي قلبت حياته وحياة بلده، وبعدها، حين كان صلة الوصل الوحيدة بين أفغانستان والعالم. قبل أن يصبح السجين رقم 306، في سجن غوانتانامو.

 إعداد: عادل الكرموسي

جاء في الرسالة أن أمير المؤمنين دعا الرئيس مشرف إلى تطبيق الشريعة الإسلامية. مشددا على أهمية الدور الذي قد تؤديه حكومة مماثلة. ولكني لا أزال أجهل لماذا أعيدت هذه الرسالة إلى السفارة لترجمتها. فالباكستان ليست دولة غربية، وهي تؤلف لغة البشتون وثقافتهم، فضلا عن وجود أكثر من 18 مليون باشتوني يعيشون في الباكستان، ويعمل كثير منهم في الحكومة ووزاره الخارجية. بعدما ترجمت هذه الرسالة قدمت الترجمة مع النسخة الأصلية إلى وزارة الخارجية. وكان لهذه الرسالة تأثير بالغ، فمشرف أعلن عن هذه الدعوة في بيان رسمي أمام وسائل الأعلام وأشار إلى أن أمير المؤمنين يعتقد أن زوجة مشرف ستؤيد ذلك. وسرعان ما أدرك مشرف أن طالبان ليست مجرد مجموعة من الأفراد لها دوافع سياسية، ولكنها تسعى إلى تنفيذ حكومة إسلامية. وهذا كان بمثابة لعنة عليه.

 خلال فترة عملي كسفير، التقيت مشرف أربع مرات أولها في مراسم تولي منصبي، والثاني عندما سلمت رسالة أمير المؤمنين. التقينا للمرة الثالثة في كاراتشي، حيث كانت الباكستان تعرض معداتها العسكرية من أنظمة مختلفة وأسلحة ومعدات استخبارية من بينها صواريخ « غوري ». وحضر المعرض ممثلون حكوميون ودبلوماسيون من جميع أنحاء العالم. وانتهى الحدث مع تجربة إطلاق أحد الصواريخ، تلاه احتفال كبير في منزل الحاكم. وتلاقينا للمرة الرابعة في كاراتشي، وقد أحسست خلال اللقاء الأخير، أن مشرف قد تغير وبدالي متعبا وبدت عيونه غارقة، وبشرته فاتحة. آنذاك توقف عن الإدعاء واظهر لي وجهه الحقيقي. وسوف يظهر فيما بعد كيف أن عدائه لإمارة أفغانستان سيعود بالسوء على كلا البلدين.

 ظهر هذا الحقد في كتابه « الباكستان قبل كل شيء! » وقد بات يتاجر بإخوته المسلمين في أفغانستان. كما أنه باع الناس من اجل المال بعد 11 شتنبر. انتهت معظم أعماله تلك فيه غوانتانامو، بعدما ترك بقعه سوداء في تاريخ الباكستان، فقد كان الشعب يطالب بإسقاطه بعدما خان الإسلام، وبعدما أثار كتابه الكثير من الانتقادات، وسيبقى برهانا حسيا على ما فعله.

كانت الباكستان قبل 11 شتنبر 2001 بمثابة قذيفة فارغة، إذ نشأت فيها حكومة داخل الحكومة، وأصبحت هي القوه الحقيقية في البلاد، حاول مشرف قيادة البلاد، لكنه واجه صعوبات تتعلق بالسلطة الداخلية، تاركا وكالة الاستخبارات الباكستانية تهيمن على الحكومة المنتخبة كلما رأت ذلك ضروريا. وهي إدارة مخابراتية عسكرية، يرأسها قادة الجيش الباكستاني. وتنطوي على مدنيين وعسكريين وتقوم بعمليات الاعتقال والإفراج. وأحيانا، تنفذ اغتيالات في أماكن بعيدة عن حدودها مثل أفغانستان والهند وإيران.

 وفضلا عن ذلك، تدير شبكة من الجواسيس في كل البلدان، وتجند سكان محليين للقيام بمهمات سرية. ويتلقى أفرادها التدريب في مجالات مختلفة. من تقنيات التجسس إلى المتفجرات، كما وضعت أشخاصا في البلدان الأجنبية متسترين في مهن معينة كأن يكونوا ملاحين وتبليغيين ورجال أعمال ومجاهدين، أي المهن التي لها تأثير قوي داخل البلاد وخارجها.  كنا نعلم أن الذئب والخروف يشربان الماء من النهر نفسه. لكن منذ بداية الجهاد، توغلت وكالة الاستخبارات الباكستانية عميقا في ارض أفغانستان،  تماما كالسرطان الذي ينتشر في جسم الإنسان. لذلك قدم كل حاكم في أفغانستان شكواه. لكن ما من وسيلة أجدد للتخلص منها. وقد سعت وكالة الاستخبارات الباكستانية، إلى انتقال الأفراد من جميع طبقات المجتمع لتجنيدهم، ومنهم من يعمل في الوزارة والسفارة والمحافظات. أما أنا فحاولت دائما أن أبقى بعيدا عن المرمى لتجنب اي صراع، لئلا أصبح هدفا لهم. فبينما كنت أعمل في السفارة. زارني علماء كثيرون، وسواهم من مدعي التقوى. لكنهم في الحقيقة، جاءوا فقط لإقناعي بالانضمام إلى وكالة الاستخبارات الباكستانية.

 بقيت مخلصا لمبادئي، وحاولت تجنب من حاولوا خداعي لأدخل وكالة الاستخبارات الباكستانية. بالإضافة إلى أنني تلقيت مرات ومرات دعوات من قادة في وكاله الاستخبارات الباكستانية، لكنني اعتذرت، وبقيت بعيدا عنهم. مدعيا أن لدي التزامات مسبقة، أو أنني لم أكن على ما يرام. وفي المرات القليلة التي لبيت فيها دعواتهم كنت حذرا على الدوام. ولطالما ما عرضوا علي المال. إلا أنني لم أقبل أي رشوة. لأنني إذا وقعت في شباكهم مره واحدة، فسوف أبقى أسيرا لهم إلى الأبد. هذه هي عادة جميع وكالة الاستخبارات في مختلف أنحاء العالم. لقد لاحظنا أن كل من انضم إلى وكالة الاستخبارات الباكستانية، أو الهيئة العامة للاستعلامات وغيرها، لايزال عالقا حتى الآن، لكنه يعمل بأسماء وألقاب مختلفة.

 التقت وكالة الاستخبارات الباكستانية والتحالف الشمالي على الأقل مرتين، مره في بيشاور وفي مكاتب الاستخبارات الباكستانية، ومرة في دار الضيافة الخاصة في إسلام آباد.

 أما أنا فأبلغت إمارة أفغانستان بهذه التحركات، وعندما علمت أن وكالة الاستخبارات الباكستانية، قد أبرمت اتفاقا بين أمريكا وإيران والتحالف الشمالي، للتصدي لحركة طالبان، سافرت من فوري إلى قندهار. وأفدت الملا أن العداوات المتزايدة بين أفغانستان والباكستان، يجب أن تتوقف. « نحن لسنا فقط، دولتين مجاورتين، ولكننا نتشارك الثقافة نفسها. لذلك نحن في حاجة إلى تفاهم من أجل الشعب ». وأخبرته أن لدي براهين قوية على أن الباكستان تتفاوض مع أمريكا وإيران وتحالف الشمال في مؤامرات ضد إمارة أفغانستان.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي