الإنلفونزا الموسمية تطرح تحديا جديا.. عدوى الزكام تثقل كاهل السلطات

05 أكتوبر 2020 - 22:00

مع اقتراب موسم “الأنفلونزا” الموسمية، بدأ الخوف يدب في النفوس، والاستعدادات المسبقة للمواطنين تتسارع أكثر من أي وقت مضى، لما يفرضه واقع استمرار زحف جائحة “كورونا” ببلدنا من مسؤولية أكبر على جميع الأصعدة خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن علامات الأنفلونزا وما يصاحبها من فيروسات أخرى، فضلا عن الضيف الجديد فيروس كورونا، تتشابه كثيراً، الأمر الذي يضاعف العبء على القطاع الصحي في مواجهة الجائحة من جهة، ويستلزم رفع الوعي الصحي المجتمعي من جهة ثانية، ثم يسائل استعداد المنظومة الصحية ببلدنا لموجة ثانية من الفيروس ستكون “أخطر” خلال المرحلة المقبلة من جهة ثالثة.

هل البنية الصحية قادرة على احتواء المرحلة؟

لم يخفِ المهنيون والأطباء والخبراء، الذين تواصلت معهم “أخبار اليوم” بهذا الخصوص، تخوفهم وقلقهم الكبير من تزامن “الأنفلونزا” مع الجائحة الناجمة عن هذا الفيروس المريب “كوفيد19″، الذي “لم يكشف بعد عن جميع أسراره وخفاياه”، على حد تعبير البروفسور الأخصائي في علم الفيروسات المصطفى الناجي، الذي أكد أيضا أنه وبالرغم من قيام العلماء في كافة أنحاء العالم بكشف الكثير من الأسرار والغموض المحيط به ما بين شهري فبراير وشتنبر الماضيين من خلال عدد من الدراسات العلمية، إلا أنه وحتى الآن “لا تزال العديد من المعلومات متباينة وقيد التحليل والتجربة، ولا يزال عدونا غير المرئي موضع أسئلة كبيرة لذكائه الخارق ومميزاته وتغيراته وتكيفاته الجينومية، التي تتميز بها الفيروسات من عائلته arn التي لازالت شيفراتها تحير العلماء”.

هذا الغموض الذي تحدث عنه البروفسور الناجي يعزز المخاوف والأسئلة التي تلوح في الأفق حول تزامن فيروس كورونا الذي ما يزال يهدد استقرار العالم، مع بداية فصلي الخريف والشتاء، حيث تنتعش الأنفلونزا الموسمية التي تشكل لوحدها تحديا سنويا كبيرا للأنظمة الصحية، في ظل زيادة العبء على المستشفيات والمراكز الصحية، وانتشار العدوى التي تزيد مخاطرها ومضاعفاتها لدى الحوامل وكبار السن والأطفال، خصوصاً الأقل من عمر 5 سنوات، أو المصابين بأمراض مزمنة، من قبيل الربو والسكري والقلب والشرايين وغيرها، فكيف سيكون الوضع إذن مع اقترانه بالجائحة التي أنهكت الأطر الصحية ببلدنا منذ شهر مارس الماضي؟ وما مدى استعداد المنظومة الصحية ببلدنا لتحمل تبعات المرحلة المقبلة لوجستيكيا وبنيويا وبشريا؟ وهل الأطقم الطبية في وسعها التفريق بين المرضين في ظل تشابه الأعراض بينهما؟ وأي دور للقاح الأنفلونزا في حماية المواطنين؟.

استعدادات الدولة لمواجهة الفيروسات

في رده على هذه الأسئلة، قال مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ”أخبار اليوم”، إن المنظومة الصحية تجندت منذ شهر يوليوز الماضي وبشكل مسبق استعدادا للمرحلة المقبلة، والتي بدأت بوادرها في بعض المناطق التي تشهد تساقطات مطرية أو انخفاضا على مستوى درجة الحرارة بما فيها مدن شمال المملكة، مشيرا إلى أنه “جرى تمكين المرضى المصابين بأمراض مزمنة من اللقاح الخاص بالأنفلونزا الموسمية في المستوصفات القريبة والمشافي أيضا، فضلا عن توفير لقاح “البنوموكوك” من أجل مساعدة المواطنين المصابين بالأمراض المزمنة، المرتبطة بالسكري والقلب وضيق التنفس من مختلف الأعمار على الرفع من مناعتهم في ظل غياب لقاح خاص لكورونا، وتجنبا للسيناريو الأسوأ، وهو أن يصاب الفرد بالأنفلونزا والفيروس في آن واحد، وهو ما ستكون له عواقب وخيمة جدا”، يقول المتحدث لافتا إلى أن “هذه الفترة من السنة عادة ما تكون صعبة، إذ تشهدُ مستشفيات المملكة ضغطاً كبيراً، إلا أن تزامنها مع كورونا أيضا مرعب، ويشكل تحديا أكبر نتمنى أن نخرج منه سالمين”.

وأكد المتحدث أن اللقاح المذكور الذي وفرته الوزارة، وهو تحت تصرف المواطنين مجانا في المراكز الصحية، “ليس فعالا ضد كوفيد 19″، مضيفا: “هذا ليس لقاحا ضد كورونا، لكنه من بين الإجراءات الوقائية التي لجأنا إليها من أجل حماية الفئة المذكورة من الإصابة بالمضاعفات المؤدية للوفاة، وذلك بنسبة لا تتجاوز 70 بالمائة، مع ضرورة التأكيد والتشديد على تطبيق التدابير الوقائية المعروفة والتباعد الاجتماعي، لأنها وإلى حدود الساعة أكثر الوسائل حماية وفعالية ونجاعة في حرب العالم ضد الفيروس”.

أما بخصوص ما إذا كانت الأطقم الطبية قادرة على كسب رهان التفريق بين الأنفلونزا العادية وفيروس “كوفيد19″، خاصة وأن الأعراض جد متشابهة، يشدد مصدرنا على أن “الفيصل هو التحليلات المخبرية”، مشيرا إلى أن “الوزارة عمدت إلى الرفع من عدد المختبرات المعتمدة استعدادا لهذه المرحلة، وتحضيرا لموجة ثانية محتملة قد تكون أسوأ من الأولى إن لم تتضافر الجهود جميعها لنخرج من هذه المعركة منتصرين”.

وتظهر لنا الأرقام والإحصائيات في هذا الإطار، الوجه القبيح للأنفلونزا الموسمية؛ فوفقًا لأحدث الدراسات العلمية التي أُجريت على نطاق موسع بهذا الخصوص، يحصد هذا المرض، الذي تعايشنا معه نوعا ما، حياة ما بين 291 ألف شخص وحتى 646 ألفًا تقريبًا كل عام، من جَرَّاء أمراض الجهاز التنفسي المرتبطة به، تتجاوز الأرقام الجديدة تقديرات منظمة الصحة العالمية، التي تفيد أحدث بياناتها أن ما بين نحو 250 ألفًا إلى 650 ألف شخص يلقون حتفهم سنويًّا بسبب الإصابة بالأنفلونزا، في حين تطال عدواها ما بين 3 و5 ملايين شخص، كما تشكل تهديدا حقيقيا بالنسبة للمصابين بأمراض مزمنة والحوامل والمسنين والرضع، نظرا لإضعافها مناعة الشخص، وهي تماما النقطة أو المدخل الذي يتسلل منه فيروس كورونا المستجد إلى خلايا الإنسان إلى أن يستقر على مستوى الرئة، متغولا في ظل غياب اللقاح أو الدواء الذي يبدو أنه لن يخرج رسميا إلى الوجود حتى يونيو 2021، بحسب آخر التوقعات الشاملة لـ20 لقاحا قيد التجارب السريرية في عدد من دول العالم.

لقاح الأنفلونزا الموسمية

لبسط هذا التقاطع الحاصل بين الأنفلونزا الموسمية وفيروس كورونا المستجد، نقلنا أسئلتنا إلى الخبراء والمختصين في مجال الفيروسات والأمراض التنفسية، الذين شددوا من جانبهم على أن المواطن، من جانبه في الفترة الحالية، مطالب أكثر من أي وقت مضى بالتحصن والوقاية، سواء من خلال الالتزام بإجراءات الوقاية وتجنب التجمعات التي تكافح على الجهتين انتشار فيروسات الأنفلونزا و”كوفيد-19″، أو أخذ لقاح الأنفلونزا الذي توفره الوزارة في منشآتها مجاناً للفئات المعنية، قصد الإسهام في تقليل الأعراض وسرعة التشافي من دون الضغط على المستشفيات والمرافق الصحية التي ما تزال كوادرها تعمل بأقصى طاقتها.

ويقول البروفسور الأخصائي في أمراض الرئة والتنفس جمال الدين الإدريسي البوزيدي، إن “المغرب تجاوز مرحلة الذروة من الإصابة بفيروس كورونا المستجد، لكنه مقبل على الموجة الثانية من الإصابة بالفيروس، والتي يرتقب أن تكون عواقبها وخيمة جدا ووقعها سلبيا، لأنه حسب التجربة التاريخية والعلمية، الموجة الثانية دائما تكون أسوأ من الموجة الأولى والثالثة، ونحن مقبلون عليها خلال هذا الموسم للأسف اقترانا مع عدد من السلوكات غير المسؤولة واللاوطنية المرتبطة باحترام الإجراءات، إذ نلاحظ تراخيا كبيرا جدا من طرف العموم”، يقول المتحدث مضيفا: “يبدو أننا نعيش زمن الرويبضة الذي يصدق فيه الكاذب ويكذب الصادق ويؤمن الخائن، لأنه عندما نتحدث، نحن أهل الاختصاص، ونحذر مما نحن مقبلون عليه لا يصدقنا أحد، وهذا مؤسف جدا. المرض كائن ويقتل جميع الفئات والأعمار، وعلى المتراخين أن يكفوا عن هذه السلوكات، لأن هذا المرض استثنائي ولا يشبه الأمراض الأخرى، لأن مضاعفاته خطيرة جدا، من بينها التشمع الرئوي الذي يؤدي إلى القصور التنفسي”.

ووضح البروفسور البوزيدي، في تصريحه لـ”أخبار اليوم”، الفرق بين المرضين: “الأنفلونزا الموسمية تتشابه إلى حد كبير مع المرض الناتج عن “كوفيد-19″، الذي يمر بدوره عبر ثلاثة مراحل؛ أولها مرحلة الأنفلونزا التي تتطابق في مجملها باستثناء بعض الخصوصيات الصغيرة مع الأنفلونزا الموسمية، وتشترك هذه المرحلة الأولى كما ذكرت في الحرارة والعياء العام، والسعال والعطس، وآلام المفاصل والعضلات، وهي أعراض مشابهة إلى حد كبير، الفرق بينهما هنا يوجد أحيانا في حاستي الشم والذوق، وإضافة إلى هذا، يكون هناك نوع من صعوبة التنفس، غير أن المرحلة الثانية في “كوفيد-19″ عكس الأنفلونزا الموسمية، تكون التهابية بامتياز، ثم المرحلة الثالثة التي تكون مناعية بامتياز”.

وردا على سؤال مدى نجاعة اللقاح الخاص بالأنفلونزا الموسمية في تقوية مناعة الشخص ووقايته من خطر الإصابة بـ”كوفيد-19″، يقول المتحدث: “اليوم طبيب العائلة أو طبيب المستوصف الأقرب من المواطن، هو من ينصح بأخذ اللقاح الذي يجب أن يكون خاصا بسنة 2021 وليس 2020، على اعتبار أنه يمثل نموذجا للتعاون الدولي لاستشراف واستكشاف الفصيلة التي ستكون مسؤولة عن الجائحة المقبلة الخاصة بالأنفلونزا الموسمية”، يقول المتحدث مشددا على أن “هذا اللقاح المذكور ليس لعموم الناس، بل يوصف فقط للأشخاص ضعاف المناعة والمسنين، وأصحاب الأمراض المزمنة؛ من قبيل الربو والسكري والقلب وداء الانسداد الرئوي المزمن، والقصور الكلوي والكبدي والسرطان والحوامل وغيرهم”.

وبخصوص الفرق بين لقاح الأنفلونزا الموسمية لـ2021، الذي يفترض أن تكون وزارة الصحة، كما سبق أن صرح بذلك الوزير خالد أيت طالب، قد وفرته للفئات السالفة الذكر منذ شهر، والآخر الخاص بـ2020 من الناحية الطبية، يقول البوزيدي: “لا علاقة لهذا اللقاح بالأول، لأن لكل واحد منهم جينومه الخاص، هذا الخاص بـ2021 متوفر ويمثل نموذجا من النماذج القليلة في التعاون الدولي لاستشراف النموذج المقبل من جائحة الأنفلونزا الموسمية، وهو متوفر وموجود في الصيدليات، وهو يحمي بنسبة 70 أو 80 بالمائة، ولكنه لا يحمي جميع فصائل الأنفلونزا، فقط الأغلبية الكبيرة”.

وختم البوزيدي تصريحه مذكرا بأن “الدول ذات كثافة سكانية كبيرة استطاعت أن تحاصر مرض كورونا وتقضي عليه على غرار الصين الشعبية واليابان”، وهذا راجع أساسا، على حد تعبير البروفسور، إلى “انضباط هذه الشعوب والتزامها بإجراءات التباعد، وارتداء الكمامة بالطريقة الصحية، والتعقيم وتجنب الاكتظاظ، وغيرها من الإجراءات التي لم تعد تخفى على أحد تجنبا للعواقب التي قد تكون وخيمة جدا”.

من جانبه، شدد البروفسور الأخصائي في الأمراض الفيروسية ومدير مختبر الفيروسات بجامعة الحسن الثاني، على أن فيروس الأنفلونزا الموسمية وفيروس “كوفيد-19” ينتميان إلى عائلتين فيروسيتين منفصلتين وتختلفان عن بعضهما، ووجب عدم الخلط وإن كان كلاهما “ينتعشان في هذه الفترة من السنة إلى جانب فيروس  La rhinopharyngite أو الزكام، ثم فيروس رابع مرتبط بالحساسية”، مضيفا: “أي أن هذه الفيروسات الأربعة جميعها نصادفها هذه السنة دفعة واحدة”.

وتابع البروفسور الناجي موضحا: “المواطن منا يجب أن يحتاط من 4 فيروسات في المرحلة المقبلة، والتي تحمينا منها وسائل الوقاية المتعارف عليها من تباعد وغيرها، لأنها تنطبق على هذا النوع من الفيروسات التي تقتحم خلايا جسم الإنسان”، يقول المتحدث مضيفا: “الفيروسات الأربعة جميعها تشترك في أعراضها، وهي نفس الأعراض أيضا الخاصة بكوفيد19”.

وحول إمكانية أن يصاب الشخص بأكثر من فيروس دفعة واحدة وفي نفس الموسم والظرفية، ما يرفع من احتمالية أن تكون للأمر تداعيات أخطر على حياته، يقول الناجي: “نعم، وهذا حدث فعلا، فقد تم تسجيل عشرات الحالات بالإصابة بكورونا والأنفلونزا معاً، ومن الممكن أن يصيب الفيروسان المريض في الوقت نفسه أو بالتتابع، أي الإصابة بالأنفلونزا مثلاً وفي الشهر التالي بفيروس كورونا، وكلا الفيروسين يمكن أن يسببا التهاباً خطيراً في الرئتين، من شأنه أن يشكل خطورة على الجهاز التنفسي، ويجعل التنفس أمراً صعباً أو خطيرا”، مضيفا: “وحتى اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية لا يحمي الشخص من إصابة مزدوجة بالأنفلونزا و”كوفيد-19″، بل من شأنه فقط أن يرفع مناعة الشخص ويقلل العدد الإجمالي لحالات الأنفلونزا، الأمر الذي من شأنه أن يساعد نظام الرعاية الصحية في التعامل مع الأمراض التنفسية في البلد، خاصة وأن فئة من المواطنين هي فقط المعنية بهذا اللقاح، لتبقى ضرورة الالتزام بالتباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات الواقية، واتباع كافة الإجراءات الوقائية، لتجنب التقاط عدوى الأنفلونزا الموسمية أو فيروس كورونا المستجد، هي الحل الأمثل والأنجع”.

وأبرز المتحدث أنه عند أخذ اللقاح المذكور، يقوم الجهاز المناعي بإنتاج الأجسام المضادة للفيروس التي قد تستغرق أسبوعين، يكتسب بعدها الجسم المناعة الواقية من العدوى بفيروس الأنفلونزا الموسمية. مضيفا: “يجب أخذ جرعة واحدة من لقاح الأنفلونزا الموسمية مرة واحدة سنوياً، أما بالنسبة للأطفال في عمر 8 سنوات أو أقل عند أخذ اللقاح أول مرة، فإنهم يحتاجون لأخذ جرعتين على أن تكون المدة الفاصلة بين الجرعتين 4 أسابيع أو أكثر. واللقاح يعطى عن طريق الحقن العضلي في أعلى الذراع، أما الأطفال الصغار أقل من سنة فيعطى في الفخذ”.

ويتوقع الناجي أن “تتضاعف أعداد الإصابات وأيضا الوفيات في القادم من الأشهر، إذا لم يتحقق شرط رفع مستوى الوعي المجتمعي تزامناً مع موسم الأنفلونزا الموسمية، وتأكيد السلطات الصحية باستماتة على أهمية الوقاية، لتقليل معدلات حدوث المضاعفات الناجمة عن انتشار حالات الإصابة بهذا النوع من الأنفلونزا، الذي من شأنه أن يؤزم الوضع أكثر”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي