إسماعيل حمودي يكتب: وعود بايدن الحالمة

13 نوفمبر 2020 - 20:00

السياسة حقائق مادية ملموسة، وميزان قوى فوق الأرض، لا حسابات حالمة. وزع بايدن وعوده كما شاء، ويبدو أن بعض الحالمين صدّقوا ذلك، ويتوقعون دعما أمريكيا خلال المرحلة المقبلة للقوى الديمقراطية والمدنية في منطقتنا على الأقل. يقول بعضهم إن إدارة بايدن ستقف إلى جانب قوى حقوق الإنسان والديمقراطية، ضد الأنظمة التسلطية التي دعّمها ترامب خلال ولايته، والدليل على ذلك أن بايدن هدد صراحة بمعاقبة تلك الأنظمة، وذكر السعودية بالاسم في قضايا محددة، مثل الحرب على اليمن، ومقتل الصحافي جمال خاشقجي.

لا شك أن بايدن من أنصار القيم الديمقراطية الكلاسيكية داخل حزبه، ويمثل تيارا قويا داخله إلى جانب هيلاري كلينتون وباراك أوباما، لكن الوعود الانتخابية شيء والسياسات الواقعية شيء آخر تماما، ومن المستبعد أن يمضي بايدن في تنفيذ وعوده، لعدة حقائق موضوعية؛ أولا، يواجه بايدن مشاكل داخلية في بلاده، ستكون على رأس أولويات إدارته خلال الولاية الأولى من رئاسته على الأقل، منها الآثار الاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا، والانقسام الداخلي الذي خلّفه الصراع على السلطة بين ترامب وبايدن، ولعل قرار تعيينه رون كلاين لشغل منصب كبير موظفي البيت الأبيض مؤشر قوي على ذلك. لقد برّر بايدن قرار اختياره كلاين بأن هذا الأخير متنوع القدرات والمهارات التي تمكنه من الاشتغال مع مختلف الأطياف السياسية، «خاصة أننا نواجه ظروفا عصيبة، ومن أجل لم شمل بلادنا من جديد»، وهو تأكيد صريح في الاتجاه المذكور.

ثانيا، من المرجح أن يعيد بايدن توكيد الأولويات الاستراتيجية لبلاده كما سطّرها رفقة الرئيس السابق باراك أوباما، أي التركيز على ثلاث مناطق حيوية لاستمرارية القيادة الأمريكية للعالم، وهي أوربا، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، بهاجس تطويق الصعود الصيني والروسي على السواء، كما هو معلوم، ولا شك أن مواجهة كبرى مثل هذه، قد تدفع إدارة بايدن إلى توظيف الإيديولوجيا الليبرالية في مواجهة النموذج السلطوي كما تمثله الصين وروسيا، على تفاوت بينهما، لكن، لا يبدو أن الاستعمال الإيديولوجي للقيم الكونية قد ينطلي على بقية الشعوب والدول.

المعطى الثالث أن بايدن، الذي يتوعد السعودية اليوم، لم يفعل الشيء الكثير خلال ولايته الثانية نائبا للرئيس السابق باراك أوباما، لقد وقف مثل المفترجين على عمليات القمع والتقتيل الجماعي في سوريا ومصر، مثلا، خلال ولايتهما الثانية (2012-2016)، وهي سياسات استمرت في عهد ترامب، لا فرق سوى أن أوباماالمعطى الثالث أن بايدن، الذي يتوعد السعودية اليوم، لم يفعل الشيء الكثير خلال ولايته الثانية نائبا للرئيس السابق باراك أوباما، لقد وقف مثل المفترجين على عمليات القمع والتقتيل الجماعي في سوريا ومصر، مثلا، خلال ولايتهما الثانية (2012-2016)، وهي سياسات استمرت في عهد ترامب، لا فرق سوى أن أوباما وبايدن ظلا يتفرجان دون مشاركة، فيما وفّر ترامب الغطاء السياسي لتلك الأنظمة التي واصلت التقتيل والتشريد دون هوادة.

ما يحد من قدرة إدارة بايدن على المضي نحو الوفاء بوعوده، كذلك، أن أمريكا تواجه اليوم تحديا جديا، يتمثل في تزايد ابتعاد حلفائها التقليديين عنها، في الوقت الذي يقتربون فيه أكثر من الصين وروسيا.

ليس تأخر السعودية وتركيا، مثلا، في تهنئة بايدن بالفوز علامة تريث فقط، بل رسالة سياسية صريحة بأنهما لن تخضعا لإملاءات بايدن بذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأن سلوك الإدارة السابقة لم يترك أدنى شك لدى هذه الدول بأن حقوق الإنسان مجرد وسيلة للابتزاز من أجل المال، لأنه حتى لو كان سلوك إدارة ترامب استثناء، فإن محو آثار تلك الإدارة لن يحصل بمجرد جرّة قلم، خصوصا أن بايدن لن يواجه أنظمة منفردة عن بعضها البعض هذه المرة، بل المرجح أن تتصرف السعودية ومصر والإمارات وإسرائيل، مثلا، ككتلة واحدة في ما يخص ضغوطات بايدن المفترضة حول حقوق الإنسان.

أما تركيا، فقد اختارت قبل سنوات اللعب في المسافة الفاصلة بين روسيا وأمريكا والصين، وهي ماضية في ذلك، ولم يعد يجمعها بأمريكا سوى حلف الناتو وقاعدة «إنجرليك» العسكرية، وقد هدد بايدن سابقا بإخراجها منها، لكن لا يبدو أنه تهديد جدي، لأي تركيا أثبتت أنها قادرة على إقامة توازن مع روسيا في سوريا وليبيا وناكورني قرباغ، دون أن يكون لدى أمريكا بديل عنها حتى الآن.

من المرجح، إذن، أن تظل وعود بايدن معلقة على إرادة الأنظمة القائمة في منطقتنا، ورغبتها في إحداث تحول وتنفيس في سياساتها المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ففي مصر، مثلا، يبدو أن الضغط السلطوي ماض نحو الانفجار إن لم يقتنص النظام هناك الفرصة، مع وصول بايدن إلى الرئاسة، لإحداث حلحلة في الوضع السياسي، تنجي مصر من مزيد من التدهور، وكذلك الأمر في السعودية التي ساءت صورتها أكثر، ويبدو أنها في حاجة إلى تغيير في السياسات تستطيع من خلاله تجديد صورتها باعتبارها دولة مركزية في الإقليم.

فالأمر، إذن، متعلق بإرادة الأنظمة، التي استفادت بدورها من ثورات 2011، وباتت أكثر عدوانية تجاه شعوبها في إحداث تغييرات سياسية من الأعلى.

 [related_post] لكن الكلمة الأخيرة تبقى للشعوب العربية، فهي المعول عليها لإحداث التغييرات السياسية العميقة، تلك الشعوب التي خذلها بايدن لما كان نائبا للرئيس، ومن الحمق الرهان عليه حتى وهو رئيس، في حين أنه كان يوزع وعودا انتخابية فقط.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي