أوريد: لا يمكن أن أتحدث عن أزمة الديمقراطية في بلد غير ديمقراطي -حوار

21 نوفمبر 2020 - 19:00

لم يمر الحجر الصحي الذي تسبب فيه وباء كورونا، دون أن يقطف منه حسن أوريد ثمرة، وهي كتاب كان لوباء “كورونا”، وما فرضه من أسئلة سياسية واقتصادية بل ووجودية، الفضل في أن يجد طريقه إلى القارئ، وإن كان الطريق في الكتاب غير واضح، فهو يقتفي أثر السير في “عالم بلا معالم”؛ هذا هو عنوان آخر كتاب للمفكر والناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي، يتحدث فيه أوريد عن منطق الطفرات في التاريخ وكيف أنها لا تكون سوى نقلة في سيرورة تراكم، وما سقوط جدار برلين الذي غير وجه العالم إلا طفرة لعوامل اعتملت مسبقا. لكن “كورونا هي من أغلقت قوس ما بعد سقوط جدار برلين”، يقول أوريد، ولا زالت معالم العالم الجديد لم تظهر بعد، كل ما يظهر للكاتب أن “الماضي مات أو يموت والمستقبل لم يولد بعد”.

وفي الحاضر، يشكل ترامب وجها بارزا لأزمة الديمقراطية وللشعبوية اليمينية، انهزم لكن الترامبية ظاهرة باقية، و”الديمقراطية في كساد”، والغرب الذي “كان يقول” إن الديمقراطية وحقوق الإنسان ذات طبيعة كونية، “لم يعد يقول ذلك، وأحيانا يقول عكسه”، يقول أوريد في حوارنا معه، وهو يميز أن المأزوم في ديمقراطيته هو من تملكها، أما من لا ديمقراطية له من الأصل فلا أزمة له، في الحقيقة في أزمة من طبيعة أخرى أشد. لا يعلق أوريد الكثير من الأمل على فوز الديمقراطيين من خلال المرشح جو بايدن، فـ”الاتجاه الذي يُسوق له الآن هو السلطوية”، ولا يستبعد أن الشعبوية اليمينية قد تتحول إلى فاشية.

ليس الاهتمام بالولايات المتحدة في ثنايا الكتاب اعتباطيا أو منفصلا عن سياق منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السياسي، فـ”لو أنه لم تنخرط الولايات المتحدة بعد سقوط حائط برلين وأزمة الخليج في الدمقرطة، ما كنا في العالم العربي وفي المغرب سنعرف بعضا من أجرأتها”، يقول أوريد. كما أن الانحسار الذي عرفته الديمقراطية في العالم العربي يعود، في نظره، إلى دعم وتغطية من لدن ترامب.

“العالم العربي الذي عهدناه وتغنينا به وحلمنا به انتهى”، يصدح أوريد، دون اعتقاد منه أن الديناميات العميقة في هذه المنطقة ستختفي، مادامت الأسئلة حول “الحكامة والتوزيع العادل للثروة قائمة”، وينأى الكاتب عن الحديث عن المغرب في هذا الحوار، ولا يجيب ما إذا كانت الديناميات الاجتماعية فيه في طور الأفول أم الصعود، ولا إن كانت عملية التحكم في النخب قد تمت بنجاح، وهو عنصر بارز في النخبة المغربية، وسبق أن قال قبل ثلاث سنوات إنه “في المغرب يسهل التحكم في النخب ومن الصعب التحكم في الديناميات الاجتماعية”، كما يقول عن مآل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقلبة، وما إذا كان فوز بايدن قد يربك اتجاها يرى أنه حان وقت إغلاق قوسه على رأس الحكومة، يقول أوريد، إنه لا يتابع ولا يستطيع الحديث. وهو الذي يفرد في كتابه فصلا كاملا لمحاذر الثورة الرقمية وأن يصير الإنسان عاريا من حميميته وخصوصيته بسببها، وكيف أنها سلاح ذو حدين، فضحت جريمة خاشقجي وفي نفس الوقت هي سلاح في يد الأنظمة المستبدة، تستعملها للمراقبة الحثيثة و”التسييج الإعلامي والتضييق السياسي. ماذا كانت ستكون عليه قضية المهدي بنبركة لو أن هذه العالم الرقمي كان حاضرا، أو لو أن الاغتيال حدث في عالم اليوم؟ يبقى السؤال مفتوحا”.

وعن الغرب الذي استفاض في تشريحه يقول: “نحن لا ندرس الغرب، نحن في الغالب ننقل الغرب انطلاقا من انبهار أو عقدة نقص”، ويسائل العلمانية الفرنسية التي تعتبر الحجاب مظهرا بارزا للتدين، لكن اجتهاد مجلس الدولة لا يعتبر حمل الصليب أو لباس المرأة كذلك مظهرا بارزا للتدين، ليقول إنه إذا كانت أوروبا في حاجة إلى الانفتاح بسبب الضرورات الاقتصادية، فهي ليست مستعدة ثقافيا، ويقول عن فرنسا تحديدا إنها لا تربط الحرية بالمسؤولية عكس مفهوم الحرية الذي أصل له الفكر البريطاني في الأصل.

 

“عالم بلا معالم”، هذا هو عنوان كتابك الجديد، في ثنايا هذا الكتاب تطرقت إلى التحولات من منظور السياسة والاقتصاد والقيم في الساحة الدولية، ويظهر كأنه عالم بدون آفاق..

لا أظن أن عنوان الكتاب يوحي بالقتامة، ما يدل عليه هو أن العالم لم يعد له مرجع. نحن نعرف أن العلاقات الدولية خضعت دائما لمرجعية أوبراديغم. الاحتواء إبان الحرب الباردة. بعد سقوط حائط برلين ساد ما يسمى حينها نهاية التاريخ وسيادة القيم الديمقراطية ونظام السوق. بعد ثلاثين سنة من سقوط حائط برلين طرح السؤال، لأن الفكرة التي كانت سائدة، والتي كان مؤداها هو سيادة الديمقراطية والسوق، بلغت المأزق، وكانت المناسبة لطرح هذا السؤال قبل جائحة كورونا هو الذكرى الثلاثين لسقوط حائط برلين. لا أريد أن يفهم أنه أتبنى نظرة متشائمة. أريد أن أقول نحن في فترة انتقالية، وهي الفترة التي يمكن أن ننعتها بأن الماضي يموت أو مات، ولكن المستقبل لم يولد بعد.

تحدثت عن منطق الطفرات في التاريخ، وتطرقت إلى أحداث شكلت قفزات نوعية غيرت وجه العالم، من ضمنها ما أشرت إليه حول سقوط جدار برلين وأحداث 2003، وما تلاها من تغير في السياسة الأمريكية وانعكاساتها الدولية، ثم تحدثت عن زمن كورونا.. ما الطفرة التي يمكن أن يشكلها زمن الوباء؟

من دون شك أن هناك لحظات مفصلية مثل 11 شتنبر، كذلك حرب 2003، ثم الأزمة المالية. لكن كلها يمكن أن تندرج في نفس الحقبة. كورونا التي أغلقت قوس ما بعد سقوط جدار برلين. ما قلت في الكتاب هو أنه لا يمكن أن نؤرخ للتاريخ من خلال أحداث، فالأحداث هي نتيجة سيرورة، صحيح أنه لاعتبارات عدة نقول هناك ما قبل 11 شتنبر وما بعد 11 شتنبر، لكن هذا التاريخ هو نتيجة كذلك لمسار لم يندلع في سماء صافية، كان الجو ملبدا، ونفس الشيء بالنسبة لترامب فهو لم يظهر فجأة، كانت هناك معطيات موضوعية: أزمة مالية واقتصادية وفشل للأحادية القطبية، وهو ما يفسر ظاهرة ترامب. لا يمكن أن نختزل التاريخ في أحداث أو في تواريخ، هناك معطيات موضوعية.

هناك معطيات وأحيانا تحدث الطفرات..

نعم تماما.

 تحدثت عن مرحلة ترامب، وتكلمت عنها بسمة أزمة الديمقراطية وتنامي خطاب سلطوي، وعموما تحدثت كثيرا عن أزمة الديمقراطية، بل خصصت فصلا سميته كساد الديمقراطية.. هل فعلا صارت لديك قناعة أن “النور أخفق”؟

موقعي ليس أن أصدر أحكام قيمة، لكن أن أرصد تطورا، وهذا التطور ينبني على أنه منذ فترة اعتبر الغرب أن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ذات طبيعة كونية وينبغي أن تعمم، لم يعد الغرب يقول بذلك. بل أحيانا يقول عكس ذلك. على الأقل نحن نعرف أنه في الإدارة الأمريكية، هناك مسؤولون يقولون إن قيمنا ليست بالضرورة قابلة لأن تصدر، بتعبير آخر لم تعد الديمقراطية ولا حقوق الإنسان هاجس الإدارة الأمريكية بشكل واضح وسافر مع ترامب. طبعا هذا الموضوع الذي عرضت له يهم بالأساس الغرب، الذي ينبني على قيمة هي الديمقراطية. لا يمكن أن أتحدث عن أزمة الديمقراطية في بلد غير ديمقراطي، لا يمكن أن أتحدث عن أزمة الديمقراطية في العالم العربي لأنها غير موجودة أساسا، أتحدث عن الأزمة في عالم تعتبر الديمقراطية إحدى قواعد الوجود لديه، أو مرساة ancrage، بتعبير آخر مربط الفرس وأحد محددات هوية الغرب. هذه الديمقراطية تعيش مثلما سماه عالم سياسي Larry Diamondكسادا، التعبير ليس لي وأصبح ساريا؛ ساريا لعدة اعتبارات وهي أن هناك التفافا على الإرادة الشعبية لأسباب شتى، من خلال حكم التقنوقراط عقب الحرب العالمية الثانية، والبنيات الموازية، لكن المستجد هو بروز اتجاهات شعبوية التي تفرغ حقيقة الديمقراطية من محتواها. الترامبية هي تعبير عن الشعبوية اليمينية وتتسم بالاستهزاء بالمؤسسات وبالديمقراطية، بل بالخيار الشعبي . فإذا كانت هناك أزمة للديمقراطية بعقر دار الغرب، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على الأطراف أو على المجتمعات التي تهفو أن تكون ديمقراطية.

 غالبا ما يؤخذ هذا الخطاب عن أزمة الديمقراطية في الغرب من طرف تيارات وآراء سياسية في منطقتنا، من أجل تبخيس قيمة الديمقراطية في بلدان لازالت تتخبط في طريقها إليها، وقد تجده وقد لا تجده، وكأنهم يقيمون الدليل على أن هذا النموذج لم يعد صالحا من خلال القول: انظروا فالدول التي ولدت الديمقراطية في مهدها تعاني.. كيف تنظر إلى هذا الخطاب؟

يهمني هذا الوضع من موقعين؛ الأول يهم الغرب، ويمكن بتبسيط شديد أن نختزله في إنجازاته العلمية والتكنولوجية، يمكن كذلك أن نحدد هوية الغرب من خلال نظام السوق أو الاستهلاك، لكن الديمقراطية كذلك جزء مكون من الهوية الغربية، فنحن أمام أزمة عنصر مكون للهوية الغربية. يمكننا القول إن الغرب في أزمة، لأن الديمقراطية في أزمة، والغرب كان يفخر دوما ليس فقط بالتكنولوجيا وبمعارفه، ولكن بالديمقراطية وتصدره العالم الحر. هناك كتابات عدة صدرت في الآونة الأخيرة، لا مجال لسردها، تنتقد هذا الانزياح، وفي الولايات المتحدة، منها كتاب صدر لفوكوياما، قبل شهور حول “الهوية والاعتراف”؛ الثاني الذي يهمني، كذلك، وهو موضعنا نحن. فإذا كانت الديمقراطية في أزمة في الغرب، فمن باب الأولى أن تكون في البلدان التي ليست لها مؤسسات راسخة ولا تقاليد أو ثقافة ديمقراطية.

وربما يكون الأثر أقوى..

لقد شاهدنا ذلك. هناك انتكاسة، وقد أشرت مطولا في كتابي لتقارير دولية صدرت فيما يسمى “فريدوم هاوس” وتراجع مؤشر الديمقراطية. هناك محددات عدة للديمقراطية؛ منها حرية التعبير ومنها احترام الآخر، وكل هذه التقارير تشير إلى أن الانتكاسة ابتدأت منذ سنة 2003، وتعتبر هذه المؤسسة أن الديمقراطية معرضة للهجوم. الديمقراطية في أزمة، هذا واقع، والاتجاه الآن الذي يُسوّق له هو السلطوية.

 حديثك عن أزمة الديمقراطية كان مرفوقا بتحليل عالم ما بعد سقوط جدار برلين. في ظل الأحادية القطبية التي أشرت إليها.. ما هو النقيض الثاني الذي انتصب في وجه الغرب لبناء هويته؟ خاصة وأنه كان هناك تصريحا للأمين العام للحلف الأطلسي سنة 1994 الذي يقول فيه إن العدو الآن هو الإسلام.. كيف ترى تجسد هذه المقاربة في السياسة الدولية وخاصة في السياسة الأمريكية، لاسيما بعد أحداث 11 شتنبر؟

نعم اسمه كلايت Claits، وهذا أمر لم أعرضه في هذا الكتاب، لكن تحدثت عنه في كتب أخرى، على أساس أنه لما سقط حائط برلين تم اعتبار أن الخطر المحتمل هو الخطر الأخضر، أشرت إلى ذلك في عدة كتابات، واستشهدت برؤى صامويل هنتغتون وبرنار لويس. يمكن أن نتحدث عن ترابط الإسلام ودولة أو مجموعة دول منسجمة. هناك ترابط بين حضارة ودولة كما في الصين. هناك إيران وتركيا كقوتين إقليميتين، لكن ليستا في مستوى الصين. لذلك ركزت في الكتاب على الصين بالأساس. صحيح أن هناك أشكالا للتصادم وللتنافر، وهو ما تحدثت عنه في هذا الكتاب في فصل عن الهجرة وما تمخض عنها من “إسلاموفوبيا”. صحيح أن العلاقة أصبحت صدامية مع 11 شتنبر، لكن ما استأثر باهتمامي هو العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، واعتبرت أن هذه العلاقة تطورت لكي تصبح صدامية بشكل سافر، في خضم أزمة كورونا وأصبحنا نتحدث عن حرب باردة جديدة.

الكتاب كتب قبل الانتخابات الأمريكية بقليل، والآن نعيش نتائجها، هل كنت تتوقع هذا السقوط لترامب؟

أشرت إليه ضمنيا في الكتاب، شخصيا اعتبرت أن ترامب لن يخرج معافى من كورونا سياسيا. كانت كل المؤشرات قبل كورونا تشير إلى أنه قد يعاد انتخابه، ولكن كان يبدو لي من خلال رصدي للتطورات بأمريكا أنه لن ينتخب، وقلت ذلك في حوار قبل عدة أسابيع. لكني اندهشت للنتائج الإيجابية القوية التي حققها ترامب، لذلك نحن الآن أمام ظاهرة، قد يكون ترامب أخفق لكن الترامبية لم تنته، ولذلك نحن أمام ظاهرة جديدة، ستطبع من دون شك الولايات المتحدة وقد تسهم في إضعافها، من خلال التشكيك في المؤسسات وفي النتائج. الترامبية لم تتوارَ، 73 مليون ناخب لترامب ليست بالأمر الهين.

ألا يبدو لك عكس ذلك؟ ذلك أن انتصار بايدن بمثابة عودة الضوء الذي قيل إنه خفت؟

هناك رؤى مختلفة، ورأيي أننا أمام ظاهرة، وأن الرئيس على أهميته في الولايات المتحدة ليس كل شيء، هناك الكونغرس. لن يكون هناك تغيير جوهري. لا أعتقد أن بايدن سيستطيع أن يطبق ما سماه خطة جديدة كما فعل روزفلت. ليست له كل الأدوات التي كانت لروزفلت. كنت أتوقع إخفاق ترامب وأشرت إليه ضمنيا في الكتاب، حينما استشهدت بمقولة لكيسنجر لما قال إن ترامب ظاهرة عابرة تعبر عن أزمة وجودية للولايات المتحدة الأمريكية. لو نجح ترامب لكنت أخفقت في التوقع، ما كان سيسيء إلى كتابي.

الملاحظ أنه رغم حديثك عن سقوط ترامب المضمر، فأنت تتحدث بتأكيد على كساد الديمقراطية وأفولها، وكأن صعود الديمقراطيين لا يشكل أملا..

أنا أنطلق من تشخيص واقع. أحاول أن أقرأ الوضع الغربي قراءة موضوعية، من خلال الفاعلين، وكذلك من خلال القضايا المستجدة، قلت، والقول ليس لي، إن الديمقراطية في كساد وفي أزمة، قلت إن هناك صعودا للاتجاهات الشعبوية، ولاحظت ربما عن خطأ بأن هناك غموضا حول طبيعة الاتجاهات الشعبوية، ولذلك أفردت فصلا مسهبا حول نشأة الشعبوية وأشكالها المتعددة، ذلك أن هناك شعبوية يمينية قد نجد بعض إرهاصاتها في الحكم مع برلسكوني. طبعا وجدت قبلها من خلال الجبهة الوطنية في فرنسا، لكنا لم تمارس الحكم. لكن قلت في ذات الوقت إن هناك كذلك شعبوية يسارية، تعتبر العدو أو الآخر هو المال، في حين أن الآخر بالنسبة للشعبوية اليمينية هو المهاجر. السؤال المضمر وليس لي جواب، مثلما يطرحه كثيرون منهم كاتبة الدولة في الخارجية، مادلين أولبرايت، هو هل يمكن للشعبوية اليمينية أن تتطور إلى نوع من الفاشية؟

هناك كتابات تتحدث عن بداية الفاشية..

ممكن، فحينما نتحدث عن استعمال السلاح وعن ميليشيات، قد تكون تلك إرهاصات للفاشية. يمكن أن تكون الشعبوية اليمينية أرضية نحو الفاشية.

قد يكون هذا “العالم بدون معالم” هو إرهاصات انتقال نحو الفاشية..

ممكن، وأنا لا أستطيع أن أتكهن، هذا السؤال طرح من قِبل سياسيين غربيين، ومن لدن مفكرين. هناك مسوغ للتخوف، طبعا الأرضية نحو الفاشية هي الشعبوية اليمينية، لذلك لاحظت أنه ليس هناك تمييزا فيما أقرأ، بل حتى على مستوى بعض المراكز البحثية في العالم العربي الرصينة، لا تميز بين الشعبوية اليمينية والشعبوية اليسارية.

 شنتال موف وأرنستو لاكلاو الأرجنتيني يتحدثان عن الشعبية كمفهوم إيجابي وكنوع من خطاب التغير..

بل إن موف ترى بأن أحسن تمثيل وتطبيق للديمقراطية هو الشعبوية اليسارية، بتعبير آخر ترى الديمقراطية هي عودة للشعب وللسيادة الشعبية، وهو التعبير الأسلم من منظورها للشعبوية.

نعم تتحدث عن عودة مفهوم الديمقراطية إلى جذورها، وهو ما يسميانه الديمقراطية الراديكالية..

تماما، وهذا التمييزغير قائم لدى البعض، فحتى على مستوى الباحثين، حينما نتحدث عن الشعبوية ينصرف الذهن إلى الشعبوية اليمينية.

 “لم يعد المسؤولون الأمريكيون حينما يزورون دول العالم الإسلامي يتوقون إلى الحديث مع فعاليات المجتمع المدني ومثقفيه، وإنما مع رجال أمنه وقادته العسكريين”، ورد هذا في كتابك، هل تقصد مرحلة ترامب؟

لا، منذ 11 شتنبر طغت الاعتبارات الأمنية.

هل تعتقد أن نفس السلوك سيستمر؟

أعتقد أن ترامب هو تعبير عما يسمى في الثقافة الأمريكية بنوع من الانعزالية، هناك مدرسة ترى أن من مصلحة الولايات المتحدة أن تنأى عن الساحة الدولية، وهناك مدرسة تقول إن عليها الانخراط فيها. ما سيميز بايدن هو نوع من الحضور على الساحة الدولية، ولكن مع حلفاء، دون شك أنك تابعتِ حديث بايدن حين قال أمريكا ليست لوحدها، بمعنى أنها ستشتغل مع حلفاء، الذي سيقع هو أولا تعزيز وإعادة النظر في الناتو، على اعتبار أن هناك تحديا قائما، اقتصاديا وجيواستراتيجيا تقوم به الصين، وفي درجة أدنى هناك تحدٍ عسكري وسياسي تضطلع به روسيا مع الراديكالية الإسلامية.

حتى نتحدث عن انعكاسات التغير السياسي الأمريكي على منطقة مثل منطقتنا، سادت الكثير من التحليلات التي قالت باحتمال موجة ربيع ثانية، وهناك من يراهن على صعود الديمقراطيين، ربما لينفتح مجال “الانفراج” السياسي في بعض البلدان “المأزومة” ديمقراطيا، بلد كالمغرب هل يمكن أن يتأثر مناخه السياسي بتغير سياسي للقوة الأولى في العالم، خصوصا على مستوى تأثيرات الخطاب؟

لنكن واضحين، لم يكن اهتمامي بالولايات المتحدة اعتباطيا، اهتمامي هو لأني أتحدث عن الدولة التي كانت ترسم السبيل، ومن دون شك أنه لو لم تنخرط الولايات المتحدة بعد سقوط حائط برلين وأزمة الخليج في الدمقرطة، ما كنا في العالم العربي وفي المغرب سنعرف بعضا من أجرأتها. كما أن الانحسار الذي عرفته الديمقراطية في العالم العربي يعود إلى دعم وتغطية من لدن ترامب. هذا واقع. الآن نحن أمام معطيات تتجاوز هذا الوضع، لأن الولايات المتحدة لها أولويات؛ وأولويتها هي الصين، وعلاقتها بالصين هي التي ستحدد مسار المستقبل والانعكاسات الممكنة. لا أعتقد أن الديمقراطية ستكون من أولويات الولايات المتحدة، لأن نواة القرص العميق، الإستبليشمنت، سيكون هاجسها هو التحالفات من أجل احتواء الصين. من جهة ثانية، سوف نعيش تغييرا في خريطة العالم العربي، فهذا العالم كما برز بعد الحرب العالمية الثانية، والذي تبلور من خلال جامعة الدول العربية، انتهى عمليا، كانت هناك مؤسسة تسمى جامعة الدول العربية، كانت هناك دولة محورية هي مصر، لفترة أعقبها ما يسمى بالزمن السعودي .الآن جامعة الدول العربية أصبحت صدفة فارغة أو مومياء. العالم العربي بالشكل الذي عهدناه وتغنينا به وحلمنا به انتهى. لكن هذا لا يعني أن الدينامايات العميقة في العالم العربي ستختفي، قد تتوارى أو تضمر لكن لن تنتهي، لأنها مرتبطة بقضايا تتجاوز الدول، لا تزال قائمة كالحكامة والتوزيع العادل للثروة وسحر اللغة أو تأثيرها. اللغة ليست محايدة.

 بمناسبة حديثك عن هذه الديناميات في العالم العربي، سبق أن أخبرتني في حوار قبل ثلاث سنوات بأنه من السهل على الدولة في المغرب أن تتحكم في النخب، لكن من الصعب عليها أن تتحكم في الديناميات الاجتماعية.. بعد هذه السنوات، هل تمت عملية إسكات النخب بنجاح وماذا عن الديناميات المجتمعية؟

دعينا الآن نتحدث عن الكتاب، يمكننا أن نتحدث بإسهاب عن الوضع الداخلي، لأن هناك أمورا لا ينبغي أن نبترها. قلت إن سياسة بايدن لن تختلف عن سياسة ترامب فيما يخض منطقة MENA، منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. قد يتغير الأسلوب. قد تتميز الولايات المتحدة بنوع من الحضور. لفترة كان البترول هو العامل الحاسم في سياسة أمريكا مع أمن إسرائيل. الآن هذه السياسة تغيرت، فالبترول لم يعد حاسما، والذي سيحدد هو احتواء الصين، مع الحرب ضد الإرهاب. الإدارة الأمريكية المقبلة ستدفع بإقامة علاقات مع إسرائيل، هم لا يقولون التطبيع، بل إقامة علاقات دبلوماسية، ومن دون شك إعادة النظر في العلاقة مع تركيا كما سبق لبايدن أن توعد أردوغان، أظن أن هذه هي عناصر السياسة الأمريكية في هذه المنطقة.

 خلال حديثك عن المنطقة، وأنت تحاول تفكيك فكرة كساد الديمقراطية، التقطت من كتابك فكرة تنتقد فيها اختزال الديمقراطية في الانتخابات، إضافة إلى أن المضي في الانفتاح السياسي يصطدم دائما بصعود الإسلاميين فيها، وتتحدث عن الأمر كعائق في التحول..

برز هذا الوضع في الحالة الجزائرية بالأساس، وكان هناك توزع ما بين الولايات المتحدة وأوروبا، الأمريكيون كانوا أقرب إلى خيار الشعوب، في حين أن الغربيين والفرنسيين كان لهم موقف آخر، وكانت هناك توجهات تعتبر أنه حينما تجرى انتخابات شفافة تفضي إلى صعود الإسلاميين، والسؤال كان هل ينطبق ذلك مع مصالح الغرب؟ حدث ذلك في الجزائر وفي اليمن والأردن، لذلك كانت رؤى غربية تقول لا؛ لا يمكن أن نختزل الديمقراطية في الانتخابات في غياب ثقافة ديمقراطية. أنا لا أصدر موقف قيمة، أنا فقط أقول ما كان يقال، طبعا هذا الوضع في الجزائر أفضى إلى تدخل الجيش، وهو الذي دفع ذي إيكونوميست، مع ما عرفته مصر من انقلاب للجيش على الرئيس مرسي، إلى ما سمته متلازمة الجزائر، على أساس أنه حينما تترك الأمور الخيار للشعب، يفضي الأمر إلى صعود الإسلاميين ويضطر الجيش إلى التدخل، وهي متلازمة تخلق نوعا من البلبلة والتوتر. أنا أنطلق من قناعة فكرية وهي أن شعوبنا ومجتمعاتنا ليست مستغلقة على الديمقراطية hermétiques، ليست رافضة لها، لأن قضية الديمقراطية بغض النظر عن المدارس الفكرية، ينبغي أن تنبني على عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم أساسه السيادة الشعبية، وهذا أمر له طبيعة إنسانية وكونية. لسنا بحاجة إلى أن نهتم بالضرورة بالمدارس الفكرية التي برزت في الغرب.

حاولت من خلال عدة أعمال أن تدرس الغرب وما يعتوره من اتجاهات، ما سبب هذا الاهتمام؟

نحن لا ندرس الغرب، نحن في الغالب ننقل الغرب، انطلاقا من انبهار أو عقدة نقص. أضع الغرب على المشرحة، في حين أن الغرب هو الذي كان يُشرح الآخر ويدرس الآخر.

 تحدثت عن غزو العراق وتداعياته كأنه كان بمثابة السقوط الأمريكي في شعاراته، خصوصا ما تسرب عن سجن أبو غريب، حيث لم يعد خطاب غزو العراق لنشر الديمقراطية خطابا مستساغا، بعد ما ظهر من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، فصارت الكثير من علامات الاستفهام حول مصداقية خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان. ونحن نتحدث عن الغرب، هل ترى أنه كما كان ذلك الحدث مفصليا في تغير الرؤية لأمريكا، قد يقع الآن نفس الأمر مع فرنسا، مع الحدث الإرهابي ومع أزمة الكاريكاتير ومع الخطاب الرسمي الذي وصفه البعض بأنه إسلاموفوبي وما تلاه من تداعيات.. هل يمكن أن يشكل هذا الحدث انعطافة في مكانة هذا البلد، خاصة وأن فرنسا رمز فكري وسياسي للغرب؟

سؤال وجيه جدا، ولكي نبقى في دائرة الكتاب، أنا اعتبرت أن العالم كله كان مع أمريكا حينما تعرضت لهجمة 11 شتنبر، حسب المقولة المشهورة لمدير جريدة لوموند: “كلنا أمريكا وكلنا أمريكيون”، ولكن إصرار الولايات المتحدة على شن الحرب على العراق لم يكن مبررا، لم تكن هناك علاقة قائمة ما بين القاعدة ونظام صدام، هذا أمر معروف. الأجهزة المخابراتية كانت تقول ليست هناك علاقة، لذلك اعترضت دول غربية على سياسة أمريكا، مثل فرنسا وألمانيا وروسيا. تم توظيف التضليل والكذب والترهيب. العبرة بالنتيجة. تدخل الولايات المتحدة في العراق كان فاشلا، لم يحقق الديمقراطية، وهلهل بنية المجتمع العراقي، وأجج العنف، وفي نهاية المطاف أتاح لإيران إمكانية التغلغل. أظن أن هناك اتفاق أن أمريكا لم تكن لها رؤية حصيفة وبعيدة المدى. السؤال الذي يطرح، هل يمكن أن نبني نفس الشيء على فرنسا؟ يبدو لي أن هناك نوعا من القصور في النظر من لدن فرنسا. على فرنسا أن تعيد قراءة نفسها. الحرية هي فكرة بريطانية بالأساس، الذين فكروا في مفهوم الحرية هم الإنجليز، الفرنسيون لم يفكروا في مفهوم الحرية، المرجعية الفكرية الأساسية للحرية هي لوك وجون ستويرات ميل. البريطانيون قارنوا الحرية باحترام الأقلية، وهي تقترن بالمسؤولية. هذا شيء غائب تماما في الفكر الفرنسي. هذا الوعي هو الذي حدا بالفرنسيين إلى مراجعة سياستهم، من خلال، دون شك، الحوار الذي قدمه الرئيس ماكرون في قناة الجزيرة، والتحركات التي قامت بها الدبلوماسية من أجل تصحيح سياستهم وتصريحات مسؤوليهم، والقول إنه “ليس لنا عداء مع الإسلام”. من دون شك أن السياسة الفرنسية حيال الإسلام والمسلمين تتسم بنوع من قصور النظر، أعتقد أنه كلنا ندين العنف، ولكن على أساس ألا يتم الاستهزاء بالمقدس بالنسبة لحضارات وثقافات مختلفة.

التقطت من كتابك ما يفسر التحول في السياسة الأمريكية، وتحدثت عن أنه في الولايات المتحدة أزيد من خمسين في المائة من التركيبة الديمغرافية ليسوا من البيض، وكأنه وقع مشكل في الهوية الأمريكية يفسر هذا النوع من التعامل مع الآخر، الذي لا يذوب في هويتها “الأصل”، الآن في فرنسا هناك صعود لعدد المسلمين بها، وكانت هناك أحيانا خطابات لمسؤولين كبار يعتقدون أن هويتهم في خطر مع هذا التصاعد..

(مقاطعا) نعم، فيون، وهو مرشح اليمين للرئاسة، كان قد كتب كتابا حول ما سماه الخطر الإسلامي، وهو نفس الخطاب الذي كرره ماكرون. ويستحسن قراءة خبراء في الموضوع، الذين درسوا تطور ظاهرة الإسلاموفوبيا وكيف أنها تطورت من ممارسات شعبية إلى خطاب قائم الأركان، بل وهذا هو الخطر. أصبحت الإسلاموفوبيا نوعا ما ممأسسة، إن صح هذا التعبير institutionnalisé، لم تعد فقط اتجاهات سياسية معينة أو آراء محصورة، والأدهى أن تصبح الإسلاموفوبيا سياسة دولة، هذا هو الخطر .

وترى أنها بلغت، الآن، درجة أن تصير سياسة دولة..

فرنسا دولة علمانية، وفهمي للعلمانية أنها ليست ضد الدين، ولكنها احترام الأديان، والانزياح بدأ تقريبا منذ حوالي عشر سنوات، بما سماه ساركوزي بالعلمانية الإيجابية، التي تعتبر المسيحية جزءا من الهوية الفرنسية. مثلا يمنع على امرأة فرنسية أن ترتدي الحجاب في الأماكن العامة، لأنه يعتبر من العلامات البارزة الظاهرة للتدين signes ostentatoires، لكن اجتهاد مجلس الدولة لا يعتبر حمل الصليب أو لباس المرأة من مظاهر التدين البارزة.. هل نحن أمام دولة مسيحية أم دولة علمانية؟

هذا هو السؤال، لكنه يتم الحديث على أن المسيحية ليست هوية طارئة، بل هي هوية ذلك البلد، في حين أن الطارئ هو الإسلام والمسلمون الذين يظهر وكأنهم سيحدثون نوعا من الخلخلة على مستوى هذه الهوية الفرنسية..

لكي نبقى في إطار الكتاب، اعتبرت أنه من المواضيع التي لم تنل حظها من التفكير هي الهجرة، واعتبرت أنه بقدر ما نتحدث عن الأخطار المحدقة حول المناخ، هناك تحولات كبرى فيما يخص الهجرة، وهو الذي يفضي إلى اهتزازات سياسات اجتماعية وسياسية. أنت تحدثت عن الولايات المتحدة، في غضون عشرين أو ثلاثين سنة تغيرت البنية الديمغرافية الأمريكية، وهو ما يفسر تشنج الإنسان الأبيض المسيحي، وهو الذي فسر في ناحية من الأنحاء ظاهرة ترامب. أوروبا معرضة لنزيف ديمغرافي، وفي حاجة إلى أن تنفتح، لأن الضرورة الاقتصادية تملي ذلك، لكنها غير مستعدة ثقافيا واجتماعيا.

هي تحتاج إلى أن تنفتح على يد عاملة وليس على ما في عقل تلك اليد العاملة وما تؤمن به؟ هل ترى أنها تريده أجوف وتملأه بما تريد؟

اقتصاديا هي في حاجة إلى الآخر، ولكن غير مستعدة ثقافيا، هذا ما تطرقت إليه في فصل، واعتبرت أن قضية الغد هي الهجرة، لأنه في غضون الخمسين سنة المقبلة سيصبح العنصر الإفريقي حاضرا بقوة في أوروبا. قضية الهجرة تعتبر إلى الآن من اللامفكر فيه أو المفكر فيه بطريقة تقنية أو لاعتبارات إنسانية عابرة، وهو الأمر الذي أشرت إليه بإسهاب في الكتاب.

 

 كان من المفاجئ في كتابك أنك خصصت فصلا عن الثورة الرقمية واعتبرت أنها تهدد الحرية، على عكس الاعتقاد السائد بأنها صارت فضاء للتعبير، وربطت هذا الموقف بما تشكله من مس بخصوصية الإنسان وحميميته، واستعرت مفهوم الإنسان العاري، في حين أنه في بلدان مثلنا، التي لازالت تنظر إلى هذا التحول بدهشة وانبهار، ترى في هذه الثورة منفذ الحرية..

كل تغيير تكنولوجي ومنه في وسائل الاتصال له جوانب إيجابية وسلبية. التلفزيون خلق ثورة غيرت الثقافة السياسية والمجتمعية، أسهم فيما يسمى نوعا من دمقرطة الحياة العامة، ولكن في نفس الوقت التلفزيون أسهم في الابتذال والسطحية، ونفس الشيء يقال عن وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال دراسات قام بها خبراء من أوروبا الشرقية، كيف أن الفيديو مثلا والفاكس كان من الأدوات التي قوضت الاتحاد السوفياتي. الأنترنيت اعتبر أنه من الأدوات التي من شأنها أن تكسر احتكار المعرفة والمعلومة، وأن تصبح من الأدوات التي تساهم في الديمقراطية، ورأينا كيف أن الفايسبوك وتويتر ساهما في التغيير في الربيع العربي. لكن في ذات الوقت هناك دراسات تظهر أن هذه الثورة الرقمية، على خلاف ما يعتبر، تصبح من الأدوات التي تستعملها الأنظمة السلطوية لتطويق مجال الحرية، ووظفت مصطلح الإنسان العاري. هناك سؤال فلسفي، هل يمكن أن نضحي بالمجال الحميمي وبالحرية الفردية؟ الحرية الفردية ضرورية لحياة الإنسان، وكما أشرت في الكتاب، فكما أن الإنسان يحتاج إلى النوم لراحته البيولوجية، فهو يحتاج إلى حريته الشخصية، هذا الجانب أصبح مهددا الآن، ينبغي أن نقر الآن أن التكنولوجيا الحالية حدت من الحرية الشخصية، كل شخص الآن يسهل أن يقتفى أثره.

 

لقد استعملت وصف الديكتاتورية الرقمية.. ألهذا الحد؟

هذا المصطلح ليس لي، بل في دراسات أمريكية واستعنت بها. هناك برامج ممكن أن تتنبأ بخيارات الأشخاص وبتصرفاتهم، وهذه أمور دُرست بإسهاب من لدن الغرب. الذي أريد أن أشير إليه هو أن كتاب “الإنسان العاري” تمت ترجمته إلى العربية قام بهذا الأستاذ بنكراد، وهو من الكتب الرصينة حول محاذر الثورة المعلوماتية.

بغض النظر عن السلبيات التي ذكرت، فهذه الوسائل تعد نافذة للحرية في بلدان لا تعاني من الديكتاتورية الرقمية، بل من ديكتاتورية الأنظمة السياسية..

متفقون، هذا تحصيل حاصل، ولكن ينبغي أن ننظر إلى الوجه الآخر، هناك آلهة عند الرومان وهو الإله جانوس الذي له وجه مشرق ووجه كالح، ينبغي أن ننظر مثل العملة، نحن نتفق أن هناك وجها إيجابيا لكن آن الأوان أن ننظر إلى الجوانب السلبية.

ومع ذلك أشرت في كتابك وأقمت مقابلة بين ما وقع للصحافي خاشقجي، الذي ساهمت هذه الوسائل في فضح الجريمة، وبين ما وقع لرمز الحركة الوطنية بالمغرب المهدي بنبركة، وهنا السؤال وإن كان بديهيا، هل كان يمكن أن تعرف قضية المهدي بنبركة منعطفا آخر لو أنها حدثت في زمن التكنولوجيا؟

الذي فضح اغتيال خاشقجي هو التكنولوجيا، وفي زمن بنبركة لو كان متاحا ذلك لم يكن أن تمر الأمور بالطريقة التي مرت.

 كنا قد نعرف حقيقة الاغتيال..

في التاريخ لا نقول “قد”، لكن على كل حال هناك جوانب إيجابية للتكنولوجيا، فخاشقجي من دون الثورة الرقمية كنا لن نعرف ما حصل.

من سوء حظ بنبركة أنه اغتيل في زمن لا رقميات فيه؟

كنا نتمنى ألا يقع الاغتيال، لكن هذا ما حصل. وهذه هي الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا، فكما أن الثورة الرقمية تحد من مجال حرية الأفراد، فهي تحد كذلك من مجال الديكتاتوريات. ويكيليكس أظهر أنه لم يعد ممكنا مزاولة الدبلوماسية بنفس الطريقة القديمة.

تطرقنا في ثنايا الحوار إلى الانتخابات الأمريكية وانعكاساتها، نحن في المغرب مقبلون على انتخابات تشريعية، وهناك حالة توجس لدى أطراف ما من أن يكون هناك تصدر ثالث لـ”البيجيدي”، وقبل سقوط ترامب ساد نوع من خطاب إزاحة الإسلاميين.. هل يمكن أن يكون لهذا الوضع الجديد انعكاس على وضع العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة؟

لا أستطيع أن أتكهن، بصراحة لا أستطيع، لسبب بسيط هو أنني لا أتابع، لذلك يصعب أن أقدم رأيا موضوعيا من خلال ضعف المتابعة، لذلك لا أستطيع أن أرد.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Rachidi منذ 3 سنوات

معك الحق سي اوريد , فالديمقراطية تقتضي محاسبتك عن فترة الاغتناء بمكناس

التالي