إسماعيل حمودي يكتب: الاتفاق المغربي الأمريكي.. في قراءة أخرى

18 ديسمبر 2020 - 20:00

ليس سهلا تحليل وفهم الاتفاق الأمريكي المغربي الأخير، فالأطراف المرئية وغير المرئية متعددة، والمصالح معقدة ومترابطة، والسياق الإقليمي والدولي في تحول متسارع، فضلا عن أن المعلوم من الاتفاق ليس كل شيء، وأن ما أعلن منه لم يكتمل بعد على أرض الواقع، وقد تُكشف أشياء أخرى من الاتفاق لم تُعلن حتى الآن.

ما يمكن قوله أن الاتفاق معقد، ويصعب بناء موقف حاسم منه بسهولة كما يفعل البعض، فالمغرب، مثلا، انتزع الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهذا مكسب مهم وتحول جوهري في الموقف الأمريكي، لكنه يبدو محرَجا من الربط بين وحدته الترابية وقضية فلسطين، وهذا الحرج عبّر عنه فحوى الاتصال الملكي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس. لقد اختار المغرب تحييد أمريكا في نزاع الصحراء، بعدما ظلت مصدر مقترحات ومبادرات مسمومة أتعبت الدبلوماسية المغربية طيلة العقدين الماضيين على الأقل (فكرة التقسيم/بيكر، توسيع صلاحيات المينورسو/روس، العودة إلى فكرة الاستفتاء/بولتون…)، مع تأكيد مواقفه الثابتة تجاه فلسطين، وهو يعوّل على المنزعجين من هذا الربط أن يتفهموا موقفه.

وعلى وجه العموم، لا يمكن من هو مقتنع بأن السياسة اختيار بين السيئ والأسوأ، أحيانا، تقييم مكاسب الاتفاق ومخاطره في غياب معطيات كافية، خصوصا أن تلك التي أعلِنت، إلى حد الآن، تشير إلى أن الرابح منه طرفان فقط؛ المغرب وإسرائيل، وكأن أمريكا كانت مجرد فاعل خير، فيما تفترض الحسابات العقلانية أن تكون أمريكا الرابح الأكبر من الاتفاق، كونها الطرف الأقوى، وكان يمكنها أن تفرض على المغرب التطبيع مع إسرائيل مجانا، كما كتب ذلك جون بولتون في مقالة رافضة للاتفاق قبل يومين.

كان يمكن أمريكا أن تبتز المغرب بصحرائه وتضطره إلى التطبيع دون مقابل، لكنها فعلت العكس، لقد اختارت أن تكسر سياستها الرمادية تجاه نزاع الصحراء طيلة العقود الماضية، والانحياز إلى المغرب بما يعنيه ذلك من التزامات مستقبلية تجاه المنطقة ككل، فما الذي دفعها إلى ذلك؟

إن جوابا دقيقا عن هذا السؤال قد يفتح لنا مدخلا ممكنا لفهم ما جرى.

أولا، يأتي الاتفاق في سياق ترتيبات أمريكية جديدة للمنطقة والعالم، تتضمن السعي إلى حسم النزاعات في مناطق نفوذها التقليدية (رسم الحدود بين إسرائيل ولبنان، وحسم وضعية ناغورني كرباغ، وتسوية أزمة أفغانستان…)، ومعنى ذلك أن أمريكا، التي ظلت تنهج سياسة قائمة على إدارة النزاعات بدل حلها، واستخدام النزاعات آليات لضبط التوازنات الإقليمية والدولية، تتحول نحو نهج آخر، لا يمكن فهمه بعيدا عن الصراع القائم حول القيادة والنفوذ في العالم بين أمريكا والصين أساسا. لقد سبق لمستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، جون بولتون، أن كشف تخوفات أمريكية من استغلال الصين قوات حفظ السلام الأممية في إفريقيا، ومنها بعثة المينورسو في الصحراء، لتعزيز وجودها الأمني والعسكري في القارة.

ثانيا، لمواجهة النفوذ الصيني؛ تسعى أمريكا إلى بناء تكتل اقتصادي عالمي، أطلقت عليه «شبكة الازدهار الاقتصادي»، يضم الدول الحليفة في المحيط الهندي والمحيط الهادئ، مثل اليابان والهند وكوريا الجنوبية وأستراليا، وفي آخر اجتماع للشبكة في ماي 2020، انضمت إليه دول مثل الفيتنام وإسرائيل والبرازيل، ويظهر أن الهدف منه هو مواجهة مشروع «الحزام والطريق» الصيني عبر العالم، من خلال بناء مشروع مضاد تنخرط فيه القوى الاقتصادية الحليفة لأمريكا، ويشكل بديلا للحلفاء التقليديين عن العرض الصيني. علاقة بالاتفاق المغربي الأمريكي، يبدو أن الحديث عن بناء قنصلية عامة في مدينة الداخلة تحديدا، ترعى الاستثمارات الأمريكية والأجنبية في الصحراء ومنطقة غرب إفريقيا، يندرج ضمن هذا الأفق الواسع، وليس مجرد إجراء بسيط في اتفاق يقرؤه البعض معزولا عن سياقه الإقليمي والدولي.

ثالثا، في سنة 2018، أعلنت إدارة ترامب استراتيجية أمريكية جديدة نحو إفريقيا، من أهدافها تقويض القوة الصينية في القارة السمراء، إذ تزعم أنها ستفرض على الدول الإفريقية أن تختار؛ إما أمريكا وإما الصين. ويبدو أنها ماضية نحو تنزيل هذه الاستراتيجية، ففي زيارة وزير الدفاع الأمريكي في أكتوبر 2020 إلى تونس والمغرب، حيث وقّع اتفاقات للتعاون العسكري للعشرية المقبلة، قال مارك إسبر إن الهدف يكمن في مواجهة «السلوك السيئ» للصين وروسيا. لقد كان الاتفاق العسكري مع المغرب شاملا ودقيقا وأكثر تقدما مقارنة بالاتفاق المبرم مع تونس، لكن الهدف يبقى واضحا؛ استعادة الحلفاء التقليديين كالمغرب لمواجهة الخطر الصيني، بل إن أمريكا قد تطمع في أن يلعب المغرب دور المعرقل لمشروع «الحزام والطريق» الصيني في شقه المتعلق بالفضاء الأطلسي.

يمكن القول، في ضوء ما سبق، إن أهداف أمريكا من الاتفاق مع المغرب تتعدى ما هو معلن، أي دفعه إلى التطبيع مع إسرائيل، نحو إقحامه في صياغة أمريكية جديدة للعالم، هدفها احتفاظ الغرب بالقيادة العالمية أمام التحدي الصيني. لقد ابتهجنا بالإقرار الأمريكي بحقنا التاريخي والقانوني في الصحراء، لكن ماذا لو قررت الصين احتضان البوليساريو؟ لا شك أن للاتفاق مكاسب جمّة، لكن يبدو أن له مخاطر كذلك، ينبغي الانتباه إليها لتجنبها.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي