إسماعيل حمودي يكتب: لِتحيا الدولة

25 ديسمبر 2020 - 19:00

يمكن من درس تطور موقف حزب العدالة والتنمية من التطبيع مع إسرائيل (للإشارة هذه كلمة لم تعد خاصة بالعرب، بل دخلت حقل البحث العلمي بأكثر من لغة)، أن يلاحظ حجم التأثير الذي يُحدثه القرب من مواقع القرار في المواقف السياسية للأحزاب التي تنشأ معارضة للسلطة، ثم تصير أحزابا حكومية.

وصل حزب العدالة والتنمية إلى الحكومة في سياق الموجة الأولى من احتجاجات «الربيع العربي»، ومع توغله في التدبير الحكومي، واحتكاكه بإكراهات صانع القرار وتحدياته، تخلى الحزب تدريجيا عن مواقف إيديولوجية كانت تبدو له زمن المعارضة مبادئ راسخة لا يمكنه التنازل عنها، بل خاض من أجلها معارك ذائعة الصيت، ثم صارت اليوم جزءا من تاريخ ذاكرته الحزبية لا أكثر.

ففي نونبر 2012، صادقت الحكومة، برئاسة عبد الإله بنكيران، على برتوكول ملحق باتفاقية التمييز ضد المرأة (سيداو)، ما أثار ردود فعل غاضبة داخل الحزب، وبين الحزب وشريكته حركة التوحيد والإصلاح. وحين جرى عرض البرتوكول على مجلس النواب في يوليوز 2015، تكرر الصدام نفسه بين بعض البرلمانيين وقيادة الحزب، لكن النتيجة أن الحزب تبنى موقف الدولة في النهاية، وصارت كل اعتراضاته على اتفاقية «سيداو» من الذاكرة فقط، يحكيها السابقون في الحزب للاحقين منهم.

تكرر السلوك نفسه مع قضية اللغة في القانون الإطار المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي تضمن مواد تعارض قناعاته السياسية بخصوص لغة التدريس، وخصوصا المادة الثانية من القانون التي تنص على اعتماد مبدأ «التناوب اللغوي»، لكن بصيغة رأى فيها خبراء الحزب أنها قد تُمكِّن اللغة الفرنسية في التعليم على حساب العربية. ورغم الضغط الذي مارسته قيادات وازنة في الحزب، مثل عبد الإله بنكيران الذي انتقد بشدة التمكين «للغة المستعمر»، فإن قيادة الحزب تبنّت في النهاية موقف الدولة. لقد شكّلت قضية اللغة مسألة حسّاسة في هوية ومرجعية الحزب، واعتقدت قواعد الحزب، وربما بعض قادته، منذ التأسيس على الأقل، أنها قضية مبدئية لا يمكن التفريط فيها، لكن الكلمة الأخيرة كانت لإكراهات السياسة ولعبة التوازنات. لقد اختار الحزب تعزيز موقف الدولة مقابل التخلي عما كان يعتبره مبادئ راسخة بالنسبة إليه.

اليوم يُكرّر الحزب السلوك نفسه إزاء قضية التطبيع مع إسرائيل، والتي شكلت، على مدى عقود، أحد عناصر هويته السياسية، حيث استلزم نضاله من أجل قضية فلسطين الانخراط في مواجهة ما كان يسميه «الكيان الصهيوني». ورغم حساسية الموضوع بالنسبة إلى قيادة الحزب وقواعده وشركائه وجمهوره العريض داخل المغرب وخارجه، يُلاحظ أن الحزب انحاز مرّة أخرى إلى موقف الدولة، ورجّح التخلي عن أحد مواقفه المبدئية، بل إن المفاجأة الكبرى هي جلوس أمينه العام، سعد الدين العثماني، بصفته رئيسا للحكومة، إلى جانب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، في صورة صدمت قواعد الحزب والكثير من قياداته، ويرجح أنها صدمت كل الإسلاميين العرب، الذين سارع البعض منهم، منذ إعلان الاتفاق المغربي الأمريكي في 10 دجنبر، إلى التشكيك في إسلامية العدالة والتنمية وكفاءة أمينه العام، بأسلوب يتجاوز حدود النقد والاعتراض أحيانا.

من المرجح، حتى الآن، أنه كلما وجد حزب العدالة والتنمية نفسه أمام خيارين؛ إما الانحياز إلى الدولة وإما التشبث بمواقفه المبدئية، إلا اختار أولهما، حتى لو أغضب قياداته وقواعده وأنصاره. ومع توالي أي قضية من هذا القبيل، يزداد انقسام المعلقين بين من يرى أن إشراك الحزب في دواليب الدولة والمؤسسات يفرض عليه التطور بشكل جعل من قياداته رجال دولة لا رجال انتخابات فقط؛ وبين من يرى أن انحياز الحزب إلى الدولة، ولو على حساب مبادئه وهويته السياسية، إنما هو تشبث بالكرسي، وخوف من انتقام السلطة على شاكلة ما يقع في دول عربية أخرى. وبين هذا وذاك، يواصل الحزب صنع المفاجآت الصادمة لنفسه ولمن حوله من المتتبعين والمعلقين.

في تقديري، يقدم العدالة والتنمية تجربة ناجحة لحزب أتيحت له فرصة الاندماج السياسي والتطور من داخل مؤسسات الدولة، وقد استغل هذه الفرصة إلى أبعد الحدود، بشكل ساعد نفسه ودولته على تجاوز العديد من المطبّات والرجّات، ومنها الرجة التي نعيشها اليوم بسبب قرار التطبيع مع إسرائيل، كأحد تبعات الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء. كنا نتوقع، في إطار الصراع على الرموز، صورة معينة للوفدين الأمريكي والإسرائيلي بعدما حطّت بهما الطائرة في مطار سلا، لكن ما جرى كان على خلاف المتوقع، حيث وُصف الاستقبال بـ«الباهت»، وعوض ذلك طلعت صورة مضادة من داخل مكتب الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط، بطلها العثماني وليس غيره، لتحتل كل الفضاءات العمومية، قد تكون أغضبت حزبه، لكنها حققت مكاسب لا تقدر بثمن للدولة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

Med Ben Med منذ 3 سنوات

لتحيا الدولة أم يحيا النظام الدي أبتلع الدولة كل ماجرى لم يخضع لمسطرة الدولة سوى أن قوما نزلت عليهم كالصاعقة تغريدة لسيدنا ترامب كرم الله وجهه بمن فيهم رئيس الحكومة الدي وجد نفسه خارج التغطية أمام المفترض أن يكون وزير خارجيته الدي أدعى أنها جاءت ثمرة مجهودات بدأت مند 2018 والسؤال أين عريس الغفلة نعني رئيس الحكومة من هده المجهودات ؟ المسرحية وكل ما فيها أنها يعتريها خلل كبيرفي أشتغال مؤسسات الدولة التي بدت غائبة أو مغيبة عن قصد عن هدا المشهد وأدكرك هنا بالسادات الدي ترك أو داس على مجلس الشعب أو ربما وضعه في جيبه ودهب يستجدي التأييد من الكنيسيت نفس الشيئ نزل خبر الزيارة كالصاعقة على الجميع

التالي