عادل بنحمزة يكتب: تركة ترامب.. تحالف الشعبوية واليمين المتطرف

19 يناير 2021 - 07:00

ما تشهده الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، خاصة بعد الأربعاء الأسود الذي شهد اقتحام مقر الكونغرس الأمريكي، هو شكل من أشكال التحالف أو التوظيف المتبادل بين تيار شعبوي صاعد على يمين الحزب الجمهوري، الذي يمثل دونالد ترامب علامته البارزة، وبين تيارات يمينية متطرفة لها جذور طويلة في المجتمع الأمريكي منذ حركة الحقوق المدنية بين 1954 و1968، إذ إن أبرز حركات اليمين المتطرف التي تتحالف اليوم مع ترامب، ليست في النهاية سوى امتداد للحركات المتطرفة التي ناهضت حقوق الأمريكيين من أصول إفريقية والملونين، ودافعت عن ذلك بسرديات عنصرية تعتقد بتفوق الجنس الأبيض، وهي السرديات ذاتها التي يعاد إنتاجها اليوم. هذا الظهور الجديد لهذه الحركات يأتي في أعقاب الزلزال الذي خلفته الأزمة الاقتصادية والمالية لسنة 2008، وعجز منظومة الحكم في الولايات المتحدة عن صيانة «الحلم الأمريكي»، بعدما سيطرت الرأسمالية المتوحشة وتصاعدت الفوارق في المجتمع، ما وضع ملايين الأمريكيين على هامش الدورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكانت الخطابات اليمينية العنصرية والدينية المتطرفة ملاذا للكثيرين كنوع من التعويض، ولم يكن ينقصهم سوى شخص مثل ترامب للبروز إلى الواجهة، والتعبير عن رفض مؤسسة الحكم «الاستبلشمنت» والأوليغارشية السياسية والاقتصادية الحاكمة في واشنطن، ومعهم السود واللاتينيون والمهاجرون بصفة عامة بصفتهم خصوما تقليديين.

الأكيد أن ما يحدث أمامنا اليوم هو تحالف بين طرفين يجب التمييز بينهما تمييزا منهجيا، فمن جهة نجد الشعبوية ممثلة في ترامب، ومن جهة أخرى نجد الجماعات اليمينية. تتأكد ضرورة هذا التمييز عندما نعلم أن الشعبوية في الجوهر هي نمط من السياسات الأخلاقية، إذ إن التمييز بين النخبة والشعب هو أولا وأخيرا أخلاقي (أي النقاء مقابل الفساد)، فالشعبوية تنطوي على نظرة مانوية إلى العالم تقسم الفضاء الاجتماعي إلى معسكرين متعارضين؛ «الشعب» الأخلاقي ومؤسسة الحكم الفاسدة كما تقول ناديا أوربيناتي، إذ لا يقوم التمييز على جانب ظرفي يرتبط بالموقف من السلطة، أو اجتماعي ثقافي يقوم على الفوارق الإثنية أو الدينية، أو اجتماعي اقتصادي يقوم على الفوارق الطبقية، كما يؤكد كل من كاس مودیه، وكریستوبال روفيرا كالتواسير، فالهدف النهائي للشعبويين واليمين المتطرف مختلف ومتمايز، وأي خلط أو الاعتقاد بوجود نوع من التطابق الكامل بينهما، إنما يساهم في تضليل التحليل الذي يسعى إلى فهم ما يجري اليوم على الساحة الأمريكية.

بالتأكيد ليست أمريكا فقط هي التي تواجه تراجع الديمقراطية وتصاعد العداء لها بشعارات ومبررات مختلفة، لكن ذلك يمثل موجة عالمية متصاعدة منذ انهيار جدار برلين، كما أن ترامب ليس سببا في ما تعرفه أمريكا اليوم، بل هو نتيجة لمسار طويل من التراجعات التي كانت موضوع كتابات وازنة منها كتاب ستيفن ليفيتسكي ودانييل زيبالت «كيف تموت الديمقراطيات»، والذي أكدا فيه أن التاريخ أثبت في معظم الحالات أن الديمقراطيات تموت ببطء لا يكاد يلاحظه أحد، إذ إنها «تفسد بسبب القادة الذين يسيئون استغلالها»، وأن أرض الديمقراطية الخصبة تخضع للتجريف منذ مدة طويلة، كما أن مجلة الديمقراطيةJournal of Democracy، التي تأسست سنة 1990، اختارت مسألة تراجع الديمقراطية موضوعاً لعدد خاص أصدرته بمناسبة مرور ربع قرن على إنشائها، ثم نشرته سنة 2015 كتابا جماعيا تناول مجموعة من القضايا التي تهم واقع ومستقبل الديمقراطية في العالم والولايات المتحدة الأمريكية، بين متفائل بمساراتها المستقبلية ومتشائم بذلك المسار.

ما يجري اليوم في واشنطن هو اختبار لصلابة المؤسسات الأمريكية، وقد أثبتت هذه المؤسسات إلى اليوم أنها صامدة في وجه تجربة رئاسية استثنائية في تاريخ الولايات المتحدة كانت مختلفة جذريا عن التجارب السابقة. بلا شك أن أمريكا ستتجاوز هذه المرحلة الدقيقة، لكنها ستخرج بندوب غائرة ليس أقلها تهديد الثنائية الحزبية، خاصة مع ما يعرفه الحزب الجمهوري من انقسامات، دون إغفال الإشكالات الظاهرة بخصوص معنى الهوية المشتركة الأمريكية.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي