عز الدين أقصبي: منطق "الغني والقوي قبل الفقير" يغلب على سياسة توزيع اللقاح

24 يناير 2021 - 21:00

علاقة بالمعطيات الرقمية السابقة، وحالة التباين الواضحة ما بين وعود إنقاذ البشرية من قبضة الفيروس الجديدة وسلالاته المتحورة، لم يستغرب أستاذ العلوم الاقتصادية والخبير والمحلل الاقتصادي عز الدين أقصبي، أن تتسع الهوة أكثر بين دول الشمال والجنوب بسبب اللقاح.

ويرى أقصبي، في حديثه لـ »أخبار اليوم »، أن « الوضعية الحالية التي يمر منها الاقتصاد العالمي بسبب جائحة كوفيد19 تفرض أساسا هذا التباين، ذلك أن تداعيات الأزمة وإن كانت قد انعكست على جميع دول العالم، إلا أنها فرضت حقيقة أن بعض الدول دونا عن غيرها تعاني أكثر من الأخرى »، يقول المتحدث موضحا: « مثلا في الدول العربية التي تعاني من مشكلة القطاع غير المهيكل، نرى أنه خلال الحجر الصحي الشامل تفاقمت وضعيتها، خاصة وأن هذه الفئة فقدت مدخولها اليومي وأسلوب عيشها ».

وزاد المتحدث قائلا: « وبالنسبة للمغرب الذي يعتمد في اقتصاده على مداخيل السياحة، نجد أنه تأثر بشكل أعمق بعد توقف القطاع خلال الفترة السابقة، تماما كما توجد دول تعول على مدخول أساسي كما البترول هي الأخرى تأثرت بشكل مباشر، وهذه الهوة مرتبطة بالمدخول الأساسي للدول التي تأثرت مقارنة مع أخرى اقتصادها صلب، كما أن الخروج من كوفيد لن يكون باليسير أو السهل لهذه الدول ».

بالمقابل، سجل أقصبي أن « بعض الدول استفادت بشكل كبير من الجائحة وتداعياتها وقوت اقتصادها، ومن بينها الصين التي استطاعت الوصول إلى وتيرة نمو تتجاوز 6.5، فيما الدول الإفريقية أو الفقيرة والهشة ستدخل في مشكل مديونية جد صعب ومن بينها المغرب، ما سيحدث تفاوتات جد كبيرة بين الدول الغنية والاقتصادات الكبرى، وبين الدول الفقيرة والإفريقية وذات الاقتصاد الهش »، مضيفا: « جميع التقارير تبين أن للجائحة تداعيات كبيرة على الفئات الاجتماعية الهشة، والبنك الدولي يتوقع أن يكون ارتفاع على مستوى الفقر ».

وبخصوص اللقاح الذي عمق من الفجوة بين دول المال والأعمال القادرة على إنتاج هذا التطعيم وتصنيعه والأخرى الفقيرة التي بقيت في لائحة الانتظار تتفرج، يعتبر أقصبي أنه من « الطبيعي أن تحصل على اللقاح أولا الدول الكبرى وتكتلات القوى على غرار الاتحاد الأوروبي، الذي يملك استراتيجية موحدة أهلته إلى توقيع اتفاقيات متعددة الأطراف مع المختبرات والدول المصنعة، إلى جانب إمكانياتها المادية، وتوجد دول أخرى مثل الهند التي تعاني تفاوتات مجالية كبيرة وتواجه مشكل الاكتظاظ فتلقيح 400 أو 700 مليون ليس نفسه تلقيح 6 أو 7 مليون مواطن، توجد معطيات وخصوصيات لكل بلد تصعب المأمورية ».

وإلى جانب ما سبق، يرى الخبير الاقتصادي أن « سوق اللقاح اليوم يشهد مضاربات مالية كبيرة أيضا، بحيث أن أثمنة اللقاحات تشهد تغييرات أيضا وطلوعا ونزولا، ومن يعطي ثمن أكبر يأخذ حصة الأسد وشحنته أولا من هذه المادة الحيوية، ما يكرس منطق أن الدول الغنية ستتلقى اللقاح قبل الفقيرة »، يقول المتحدث مبرزا في الآن ذاته أن « الجانب الدبلوماسي والعلاقات الاستراتيجية الدولية والتحالفات تلعب بدورها دورا مهما في هذه النقطة ».

من المستبعد أن يكون للمغرب تموقع مهم في سوق اللقاحات

استبعد المحلل الاقتصادي أن « يكون المغرب متموقعا بشكل جيدا وفق تحالف كبير من أجل التوصل باللقاح قبل آخرين »، مشيرا إلى أن ما يعرقل القارة الإفريقية ويحول دون توصلها حتى الآن بشحنة اللقاحات من أجل إطلاق حملة التطعيم، هو هذا الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبنيوي والتضاربات، لكن أيضا جانب موقع قوة البلاد وتحالفاتها، فلا يسع دول التصنيع التعامل بنفس المنطق الذي تتعامل به مع دولة فقيرة أو إفريقية وبين قوى اقتصادية قوية ».

وخلص أقصبي إلى أن « الدول الضعيفة أو في طور النمو في وضع التبعية بدون أدنى شك، لأن الخروج من هذه الوضعية يستلزم وجود اللقاح واستراتيجيات متطورة للتعامل مع الوضعية، وهذا تقريبا لا يحرز المغرب أو دول المنطقة تقدما كبيرا فيه ».

وتعليقا على أسباب تعثر استباقية « دبلوماسية اللقاحات » التي تبناها المغرب منذ أشهر، والأوراش الكبرى التي فتحها في هذا المجال، والتي على أساسها كان يفترض أن يطلق حملة التطعيم المنتظرة في دجنبر الماضي، وعلاقتها بمضاربات سوق اللقاح التي أحبطت مجهوداته، يقول الخبير الاقتصادي: « كانت الحكومة تقول إن بلدنا وقع اتفاقيات متعددة وإنه سيكون من أوائل الدول التي ستتحصل على اللقاح، لكن أين ذهب كل هذا؟ »، يقول الخبير متسائلا.

وتابع المتحدث بالقول: « إذا كانت الحكومة تتوفر على التزامات تعاقدية بخصوص اللقاح والتزامات سياسية ودبلوماسية، وعلى أساسها خرجت تطمئن الناس بدنو الفرج، لماذا لم يبق كل هذا؟ وبطبيعة الحال لا يمكن أن نعلق هذا الفشل على شماعة أنه توجد في سوق اللقاح مضاربات مالية »، يقول أقصبي معلقا على التبريرات التي قدمها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في الجلسة البرلمانية الثلاثاء الماضي.

وحول ما إذا كانت للأمر علاقة بالتموقع الجيوسياسي للمغرب، يقول المحلل الاقتصادي: « هذا عنصر، لأن من يصنع وينتج اللقاح لن يتعامل مع بلد ليست لديه قوة أو موقع، بل سيفضل التعامل مع دول قوية وتحالفات اقتصادية قوية كالاتحاد الأوروبي »، يقول أقصبي الذي لم يخف استغرابه الكبير من الخطاب المتغير والمتلون لحكومة سعد الدين العثماني، التي كانت في وقت سابق أعلنت أن حملة التلقيح ستكون في دجنبر وأن الشحنات في طريقها إلى المغرب، ولكن الواقع أن لا شيء من هذا حصل، وهذا ما يجب على الحكومة توضيحه أساسا ».

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن المغاربة اليوم وأمام حالة التكتم الشديدة من طرف السلطات، تجدهم تائهين وسط تساؤلاتهم حتى بخصوص نوعية اللقاح الذي يفترض أن يدخل أجسامهم، وكان يفترض أساسا على الحكومة أن تنهج أسلوب التواصل مع الرأي العام وتطلعه على كامل المستجدات التي تخص سلامته، بما فيها نتائج التجارب السريرية التي خضع لها المتطوعون المغاربة، والتي على أساسها يفترض أن يتوصل المغرب بلقاح صيني، ثم التجارب المتعلقة بلقاح أسترا زينيكا ومدى نجاعته وسلامته ».

 وزاد المتحدث: « كما يجب على الحكومة إطلاع الرأي العام بفحوى الالتزامات والاتفاقيات التي وقعها المغرب مع الصين في وقت سابق، وإذا كانت قد فشلت، وهو ما يمكن أن يفسر عدم الترخيص إلى حدود الساعة لهذا اللقاح في المملكة، فعلى السلطات أن توضح لماذا؟ »، مضيفا: « للأسف لا توجد شفافية في موضوع الجودة ونوعية اللقاح، ولا على مستوى عدم تزود المغرب إلى حدود الساعة بالشحنات الموعودة من جرعات التطعيم، وهنا يوجد مشكل حقيقي له ».

اتفاقيات متعددة.. ولا واحدة تحققت

كان المغرب قد أعلن منذ شهر غشت الماضي عن استعداده لإطلاق عملية التلقيح « الكبرى والتاريخية » ضد كوفيد 19 بصفة رسمية أواخر دجنبر من السنة الماضية، إلا أنه وبالرغم من كل المجهودات المبذولة من خلال تنويعه مصادر اللقاح وتوقيعه لاتفاقيات متعددة بهذا الخصوص، لم ينجح في ذلك وأخلف وعده للرأي العام المغربي دون تقديم « تفسير أو توضيح »، خاصة وأن شحنات اللقاح التي قدرتها الحكومة بـ 65 مليون جرعة من لقاحي « سينوفارم » الصيني و »أسترا زينيكا » البريطاني، من شأنها تطعيم حوالي 25 مليون شخص ضد جائحة العصر الحديث.

ونهجت السلطات الصحية ومصالح وزارة الخارجية وبتوجيه من الملك محمد السادس منذ أشهر، دبلوماسية مهمة لتوفير اللقاح، بحيث كان اللقاح المرشح الأول بالنسبة للمملكة هو اللقاح الصيني “سينوفارم”، الذي كان موضوع اتفاقين مشتركتين بين الجمهورية الشعبية والمملكة شهر غشت الماضي في مجال التجارب السريرية، وكان يرتقب، على أساسها، أن يتسلم المغرب نهاية شهر دجنبر الماضي دفعة من 10 ملايين جرعة من هذا اللقاح، غير أن هذا لم يتحقق حتى كتابة هذا الأسطر، بسبب « عدم استكمال بعض الوثائق الخاصة باللقاح والترخيص له، عكس أسترا زينيكيا أوكسفورد الذي سيلقح به المغاربة في المرحلة الأولى »، على حد تعبير سعيد عفيف، عضو اللجنة العلمية والتقنية في تصريح لـ »أخبار اليوم ».

ولمضاعفة حظوظه في توفير جرعات الخلاص من الجائحة في ظرفية زمنية معقولة، يتحقق على أساسها التطعيم الشامل للمغاربة حتى شهر أبريل المقبل، بعد استكمال المرحلة الأولى التي ستعطى فيها الأولوية على الخصوص للعاملين في الخطوط الأمامية، بمن فيهم العاملون في مجال الصحة والسلطات العمومية وقوات الأمن والعاملون بقطاع التربية الوطنية، وكذا الأشخاص المسنون والفئات الهشة للفيروس، قبل توسيع نطاقها على باقي الساكنة، قام المغرب بتوقيع اتفاقيات شراكة مع كل من مختبر “أسترا زينيكا” (السويدي ـ البريطاني)، الذي يطور لقاحه مع جامعة أوكسفورد من أجل الحصول على 17 مليون جرعة من هذا اللقاح الذي سيكون متاحا في النصف الأول من عام 2021، وسيتم توزيعه بشكل منصف بين الدول بناء على طلب الحكومات، وهو اللقاح المتواجد قيد التصنيع والإنتاج في الهند، والذي رخصت له السلطات المغربية مستهل الشهر الجاري « دون أن يأتي إلينا أو نذهب إليه ».

ووقع المغرب اتفاقا آخر مع شركة “آر-فارم” الروسية، على شاكلة مذكرة تفاهم في 18 شتنبر الماضي، لشراء لقاحات الشركة بترخيص من مجموعة “أسترا زينيكا” البريطانية، كما أكد وزير الصحة خالد أيت الطالب أنه قيد مفاوضات ومباحثات من أجل توفير اللقاح الروسي سبوتنيك7، « غير أن تفاصيل ما جرى يلفه الغموض ولم يعد وزير الصحة لكشف تفاصيله ».

المضاربات المالية في سوق اللقاح تفشل اجتهاد المغرب

أمام سوء تواصل الحكومة بخصوص موعد التلقيح، وما يسببه من غموض يشوب الملف ويكرس لهوة انعدام الثقة بين المواطن والمسؤول، خاصة مع ظهور سلالات جديدة وارتفاع منسوب القلق والمخاوف في صفوف المواطنين، خرج رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، الثلاثاء الماضي، ليعبر عن انزعاجه من عدم توصل المغرب حتى الآن بإمدادات اللقاحات، مشيرا إلى أن اللقاحات تذهب إلى الدول الغنية وتلك التي تنتجها بالدرجة الأولى.

واعتبر العثماني أنه « من الطبيعي أن تقوم الدول المطورة للقاحات باقتناء أولى الجرعات المنتجة لنفسها »، فيما بعض الدول التي لم يسميها « لجأت إلى المضاربة من أجل شراء اللقاحات بأثمنة تتجاوز ضعفها بخمس مرات أو أكثر، ما تسبب في ظروف ندرة عالمية تشكو منها جُل الدول »، بحسب تصريح العثماني الذي برر فيه سبب عدم توصل المغرب باللقاح حتى الآن.

التدخل الدبلوماسي لدى دول التصنيع أصبح إلزاميا

من جانبه، يرى البروفسور المصطفى الناجي أنه سيتعين على عدد من الدول الانتظار طويلا قبل الحصول على شحنة من اللقاحات بسبب ضعف الإنتاج، الناتج عن الضغط المفروض على الدول نامية التي أوكلت لها المهمة كما الهند، إذ تكلف معهد « سيروم إنستيتيوت » بالبلد، والذي يعد أكبر منتج للقاحات في العالم، بصنع ما بين 50 و60 مليون جرعة من لقاح أسترا زينيكا كل شهر.

وأورد الناجي في تصريحه أن « عملية الإنتاج بحد ذاتها تتطلب وقتاً طويلاً، وتختلف المدة بحسب نوع اللقاح وسرعة السلطات في إجراء ضوابط السلامة، التي تستغرق 70 بالمائة من مدة التصنيع، وفقاً لبعض التقديرات. كما أن البلد المصنع يجب أن يحقق اكتفاءه الذاتي قبل التوزيع. الطلب اليوم أكثر من العرض ».

وأبرز المتحدث أن صنع لقاح mRNA أسرع وأرخص من اللقاح الجيني DNA الموجه للفيروس الغدي، مثل لقاحات أستر ازينيكا أو اللقاحات المكونة من البروتين المؤتلف، مثل تلك التي يتم تطويرها بواسطة Sanofi / GSK، وهو ما دفع عددا من الدول إلى الترخيص لـ »أسترا زينيكا » على وجه الخصوص إلى جانب طبعا نجاعته وثمنه البخس.

وشدد البروفسور الناجي في حديثه على أن « الديمقراطيات ودول العالم الغنية والقوى الاقتصادية يجب أن تعلم تماما أن توفيرها للقاح لمواطنيها لا يعني خلاصها من الجائحة، ذلك أن المناعة الجماعية يجب أن تتحقق عالميا وليس فقط وفق الحدود الجغرافية الضيقة لنقول خلصنا، وإذا لم يتحقق تطعيم 70 بالمائة من ساكنة الكوكب فالخطر لا يزال قائما ».

ونبه مدير معهد الفيروسات إلى أن تحقيق المناعة المكتسبة رهين بفترة زمنية محددة تتراوح ما بين 3 أو 5 أشهر قبل أن يعود الفيروس مرة أخرى لاجتياح البلدان، ما سيجعلنا ندور في حلقة مفرغة، وبالتالي المطلوب اليوم عالميا هو تضافر الجهود وتوفير اللقاح للجميع دون جشع ».

وأبرز المتحدث أن عددا من الدول استغلت إمكانياتها المادية لأخذ شحنات من اللقاح بثمن مضاعف، فيما المختبرات اختارت استغلال هذا الوضع والتهافت على هذه المادة الحيوية تحقيقا للربح، يقول المتحدث مضيفا: « المغرب يعرف كل هذا بشكل مسبق وقد قام بالإجراءات اللازمة منذ البداية لكن مثل هذه الممارسات عرقلت مهمته، ما يفرض أن يكون تدخلا من المسؤولين في المغرب ومصالح الخارجية لدى الدول المصنعة ليتم التزويد ».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي