الستاتي يتحدث عن السياسة ورميه بالحجارة وعصي «السيمي»

09 فبراير 2014 - 19:16


 

‭{‬ من هو الفنان الشعبي بالنسبة إليك؟

< الفنان الشعبي هو الذي يعرف حقيقة الفن الشعبي وأصوله من ألف إلى يائه، تاريخه وقواعده. والفن الشعبي هو أصلنا، هو الأغنية المغربية الحقيقية، والأغنية العصرية التي تسمى الأغنية المغربية، كل مقاماتها التي تعزف عليها شرقية. فقط كلمات الأغنية هي دارجة مغربية تُقدم من خلال موسيقى غير مغربية،  وإن أضافوا ميزانا قالوا إنه إيقاع مغربي. وتلك أمور لا بأس بها، لكن لا يجب أن ننسى أن الأغنية المغربية الحقيقية هي الأغنية الشعبية التي يطرب على إيقاعها المغربي وتلمس دواخله، وينتشي بها رقصا.

 

‭{‬ وماذا يعني لك الفن الملتزم؟

< الفن أذواق، كل شخص يجد راحته في اتجاه معين. والفن الملتزم له دوره وله متذوقوه، ويُحترم. وأعتقد أن الالتزام والإيمان في القلب، والفن عموما اتجاهات مختلفة تضم الفرح والقرح والشغب، ويعبر به عن كل المشاعر والاتجاهات. ويبقى الأمر مرتبطا بتوجه واختيار كل فنان أو كاتب كلمات.

 

‭{‬ هل يمكن أن تغني هذا النوع؟

< بالنسبة إلي، غنيت قبلا الأغنية الملتزمة، عن القضية الفلسطينية، وعن موضوع الظلم وعن الحق، وعن المقاومة. وقد غنيت عن علال بن عبد الله بعد وفاته، في وقت لم يلتفت إليه أحد، وعن الملوك، الحسن الثاني وقبله محمد الخامس. غنيت في كل المواضيع ذات الطابع الإنساني.

 

‭{‬ كثير من الشباب يطلق على نفسه لقب «فنان شعبي»، وانتشرت أغانيه في الأسواق، كيف تنظر إلى هؤلاء؟

< هؤلاء، وحتى الذين يملكون بينهم أصواتا جيدة، ليسوا بفنانين هم هواة لا أكثر، وكما قال «الغيوان» «غنينا ليهم باش يسمعونا دارو بنادر وتبعونا». هؤلاء الشباب لا يملكون الأسس والقواعد الحقيقية للفن الشعبي، التي تعلمناها بتتلمذنا على أيادي شيوخ هذا الفن، وأقصد بالفن الشعبي الفن التراثي الأصيل المغربي، وليس هذا الذي تذيعه وسائل الإعلام، وخصوصا التلفزيون، وتنشره على أساس أنه الفن الشعبي الحقيقي.

 

‭{‬ كيف ذلك؟

< هناك، اليوم، تمييع للفن الشعبي المغربي من قِبل التلفزيون العمومي، الذي يقدم وجوها دون المستوى، على أساس أنهم أساتذة الفن الشعبي والعيطة، بشهادة باحثين، وهم لا علاقة لهم بالعيطة. وهذه مغالطات تقدم للجيل الحالي. وأؤكد على هذا لأني أقدّر فن العيطة، ولدي غيرة على التراث  المغربي الأصيل ككل. العيطة ليست تجارة، ليست ملكا لشخص محدد، هي ملك لكل المغاربة، هي تراث مغربي يتاجر به البعض، ويريدون تمليكه لأشخاص بعيدين عنها وغير مختصين. ومن سيُظلم في كل هذا هو جمهور الشباب الناشئ الذي لن يعرف شيئا عن حقيقة تراثه.

 

‭{‬ هذا يعني أن التلفزيون لا يحمي العيطة..

< متى سهر على تقديم تلك البرامج مختصون وعارفون بفن العيطة حتى يُدافعون عنها بحق؟ هؤلاء الذين يوكل إليهم إعداد وتقديم تلك البرامج الفنية، لا يفقهون شيئا في غير «الراب»، وآخرون سماسرة بعيدون عن الفن يستقطبون أشخاصا لا همّ لهم غير الظهور، دون أن يحظوا بمقابل، أو أكثر من ذلك يدفعون مقابلا للظهور. وهؤلاء، الذين يحملون «كمنجات نص كمّ، التلفزيون كيغدي ويعشي ولادنا بهم»، ويكرس وجودهم على حساب فناني الشعبي الحقيقيين. لا يعقل أن تقدم الأغنية الشعبية وخصوصا العيطة بالكمنجات الإلكترونية، ودون دراية بقواعدها. 

وبالنسبة إلي، فقد عرفت «الشاذة والفادة» في الفن الشعبي التراثي، وبعدها بدأت الغناء بكل اللهجات المغربية، في كل الألوان الشعبية المغربية، من طنجة إلى لكويرة، بالإضافة إلى اللغة الأمازيغية، هذا لأنني أرى نفسي فنانا ملكا لكل المغاربة. 

 

‭{‬ بالنسبة إلى الأمازيغية، كيف غنيت بها ولست ناطقا بها؟

< عشقت الأغنية الأمازيغية منذ بداياتي، وأردت من خلالها أيضا أن أبين قدرتي على أداء هذا اللون أيضا. أشعر أن بداخلي بركانا فنيا، وفي دمي يجري فنان حقيقي. وأستطيع، تبعا لهذا، أن أبدع في كل الألوان، لذلك ما أزال أتعلم وأبحث في كل الأذواق المغربية، وبينها الأمازيغية التي أحببتها، وتعلمتها وفي سياقها لدي الآن دراية كبيرة بآلة الوتر.

 

‭{‬ متى تعلمت الأمازيغية وبدأت الغناء بها؟

< بدأت تعلم الأمازيغية تبعا لعشقي لها في بداية الثمانينات، فقد كنت مولعا بمتابعة الأغنية الأمازيغية على أثير الإذاعة، ما بين 1975 و1976، قبل أن أبدأ بترديدها.

 

‭{‬ من هؤلاء الفنانين الذين كنت تتابعهم آنذاك؟

< كنت أنصت للفنانة حادة أوعكي وبناصر أوخويا، وحمو اليزيد ثم رويشة. وأكثر ما شجعني على الأغنية الأمازيغية هو غناء كل من حادة أوعكي وبناصر أوخويا بالدارجة العربية المغربية، فقلت لِم لا أغني أيضا بالأمازيغية، وكذلك كان، ونجحت والحمد لله.

 

‭{‬ لديك مشروع حالي في هذا السياق؟

< الآن لدي مشاريع غنائية أخرى غير الأمازيغية، إذ أحضر لأغنية باللهجة الحسانية، بالإضافة إلى أغنية «راب»، «سينغل» تحت عنوان «عباس» سجلتها مؤخرا، وستخرج الأسبوع المقبل، بالإضافة إلى شريط يضم ثمانية أغان، جميعها جديدة. 

 

‭{‬ أربع سنوات مضت على آخر عمل قدمته، ألا ترى أن هذه المدة طويلة بالنسبة لفنان له جمهور عريض؟

< هذا الشريط الذي تطلب مني أربع سنوات من الاشتغال، سأخرجه دون أن أستفيد منه، «كلشي غادي يمشي لله». والمشكل هنا يخص بالأساس القرصنة، فالدولة لا تحمينا منها، وبالتالي لا نربح منه حتى ما صرفناه عليه. فكيف يمكن الإبداع والاستمرار في ظل هذه الظروف، خصوصا مع وجود مسؤوليات ومتطلبات يومية، الفنان في حاجة لتوفيرها، لأنه اختار هذا الفن الذي أحبه مهنة، وأقصد هنا الفنان الشعبي الحقيقي.

 

‭{‬ طيب.. ألم تفكر وأنت من مشاهير الفنانين الشعبيين، في خلق برنامج للمسابقات، لاكتشاف المواهب، من شأنه أن يعطي للمغرب فنانين من النوع الذي تتحدث عنه؟

< وزارة الثقافة هي من عليها أن تنشئ هذا النوع من المسابقات لأنها من يفترض فيها الحرص على الموروث الفني الثقافي. 

والمشرفون على البرامج التلفزيونية وما شابهها هُم من عليهم أيضا تحمّل مثل هذه المسؤولية، أما أنا فلا يمكنني إلا أن أكون مؤطرا ضمن هذه البرامج إذا ما تمت المناداة علي. 

 

‭{‬ وكيف تجد برامج اكتشاف المواهب الغنائية عموما؟

< لا أشاهدها، لأني لا أشاهد التلفزيون إلا إذا كان هناك خطاب ملكي أو مباراة لكرة القدم، ونادرا ما أجد برنامجا مهما أتابعه، وأترك هذا النوع من البرامج لأصحابها. وغير هذا، أنا منشغل بواجباتي تجاه أسرتي، ولدي برامج أخرى يومية ولقاءات طويلة مع آلاتي الموسيقية التي أسهر معها إلى أن يأخذني النوم.

 

‭{‬ من جانب آخر، لمن تحيي حفلات خاصة؟

< أنا أغني للمغاربة جميعا، وليس لدي زبناء من نوع خاص، ورغم الأزمة التي يعيشها الفنان المغربي، لا يمكنني أن أعمل في الكباريهات، أو أي مكان من شأنه أن يمس بصورتي الفنية لدى جمهوري، وأنا بهذا أضحي كثيرا، لكن كما يقال «جوعي في كرشي وعنايتي في راسي». لكني أشارك في حفلات أصدقاء ومعارف أثق بهم.

 

‭{‬ كانت لديك تجربة مع «هوبا هوبا سبيريت»، كيف كانت هذه التجربة؟

< فكرة الاشتغال مع هذه المجموعة، جاءت بطلب منهم للمشاركة معهم كعازف، وأعجبتني الفكرة، وشاركت بآلتي، وصورنا «فيديو كليب»، لأنني أحترم لونهم الموسيقي. وأحب أن أقول إنني ملك للجميع، وأرحب بكل من يود الاشتغال معي.

 

‭{‬ اقترحت عليك الفنانة «الداودية» مشاركتها غناء «ديو»، أين وصل المشروع، وهل هناك اقتراحات أخرى؟

< لم نبدأ الاشتغال عليه بعد، وهناك مقترح آخر من حاتم عمور. وأود القول في هذا السياق إنني أحترم الشباب الذين يبحثون عن الجيد ويقدرون من يقدم فنا حقيقيا، وهذا شرف لي.

 

‭{‬ من هو أقرب فنان إليك؟

< أخي الفنان العرباوي ميلود، الذي يكتب ويلحن ويغني، بالإضافة إلى اشتغاله في الإنتاج. وأعتبره هرما من أهرام الأغنية المغربية الشعبية، أستشيره ويستشيرني في كل شيء. 

 

‭{‬ هل العزف على الكمان و»الوتار» طقس يومي بالنسبة لك؟

< هو كذلك، وكما قلت لك سابقا، إني أسهر معها إلى أن يأتيني النوم. يوميا أبحث من خلالها عن الجديد الذي ينتظره مني جمهوري. محاولا أن أبدع في ما أختاره. وهذا الأمر الأخير هو ما ينقص هؤلاء الفنانين المنتشرين الذين تحدثنا عنهم قبلا، والذين ينتظرون أن يصدر فنان حقيقي شريطه ليعيدوا غناءه ويسجلوه كأنه في ملكهم. وهؤلاء ليسوا مبدعين، يسهرون من أجل ذلك، إنهم فقط أشخاص يختبؤون خلف «الكمنجات»، ليوهموا الناس أنهم فنانون، لكن المغاربة «عايقين وعارفين شكون الفنان».

 

‭{‬ ماذا تقول لأمثال هؤلاء؟

< أوصيهم بأن يذهبوا لتعلم أصول العزف، واختيار «اللي يواتيهم»، أو يبتعدوا عن العزف ويتركوه لمن يعرفه، ويبدع فيه.

 

‭{‬ طيب، أعلنت سابقا أنك ستكتب سيرتك الذاتية لإخراجها في فيلم سينمائي، أين وصل المشروع؟

< هذا المشروع تكلف به أخي ميلود العرباوي، وأحد المخرجين، هو الآن يعكف على كتابة السيناريو رفقة مهتمين بالسينما. لكن عموما فالمشروع ما يزال متأخرا قليلا في انتظار إيجاد الوقت الكافي والمناسب له.

 

‭{‬ وهل اقترح عليك دور في السينما عموما؟

< عرضت علي أدوار كثيرة، لكن انشغالي بفني كان حاجزا أمام إمكانية المشاركة. وقد أديت دورا بسيطا في فيلم من إخراج سعيد الناصري، الذي التقاني بالصدفة وأنا أمارس هواية القنص، في مكان صور به، بعد إلحاحه أن أشارك معه، وكان ذلك شرف لي.

 

‭{‬ وهل تلمس في الستاتي المغني موهبة التمثيل أيضا؟

< أنا فنان، ويمكنني أن أقوم بمجموعة من الأدوار التمثيلية أيضا، ولكن شرط أن تتناسب وقناعاتي. يمكنني قبول دخول مجال السينما أيضا، لأنها فن، لكن المجال الذي يعرض علي كثيرا دخوله ولا أقبل هو السياسة. 

 

‭{‬ ولِم ترفض دخول عالم السياسة؟

< أنا سياسي فنيا، كل المغاربة يحبونني الآن، وإن دخلت مجال السياسة لن يستمر هذا الحب. وأنا بهذا لا أهين السياسة، السياسة لها أصحابها.

 

‭{‬ لكن هناك فنانون دخلوا السياسة دون أن ينقص ذلك من حب جمهورهم لهم، مثل فاطمة تابعمرانت؟

< مع احترامي للجميع، فاطمة تابعمرانت مثلا أمازيغية، بخلافي أنا، وربما يكون لدخولها السياسة دور معين من أجله استقطبت لتدخل السياسة. وتابعمرانت فنانة أحترمها وألتقيها بهذه الصفة.

 

‭{‬ أنت أيضا قد تغير رأيك ويدفعك، مستقبلا، سبب ما لولوج السياسة؟

< أبدا لا يمكن، لست خائفا منها وإنما أريد أن أستمر فنانا، لأني بدخولي السياسة ستنضاف إلي التزامات كثيرة، وهذه الالتزامات هي ما أحاول تجنبها حتى في مجال اشتغالي الفني، لأجد الوقت للتفرغ لآلاتي الموسيقية، لأنها هي سياستي الحقيقية، وهي أكلي وشربي وعلاجي ومصدر قوتي لأستمر في هذه الحياة وأتغلب على مشاكلي.

 

‭{‬ هل لك أن تحدثنا عن مواقف وقعت في مشوارك الفني وأثرت في نفسك؟

<  في السنوات الماضية، كنت أحيي حفلات كثيرة بإيطاليا، كنت أتلقى عروضا كثيرة من الجالية المغربية المقيمة هناك، فاشتهرت على نطاق واسع. هذا الأمر جعل أحد الأشخاص المحسوبين على الفن الشعبي المغربي يطلق إشاعة مفادها «أن عبد العزيز الستاتي شتم الجالية المغربية في إيطاليا في إحدى أغانيه» وهذا غير صحيح، ولا يمكن أن أكون غبيا إلى درجة شتم جمهوري. 

 

‭{‬ ما مضمون تلك الشائعة؟

< قالوا إنني قلت في إحدى الأغاني «السرّاح اللي كانوا مشاو لميلانو». 

 

‭{‬ وكيف تلقى جمهورك هذه الشائعة؟ وكيف تعاملت معها؟

< هذا الشائعة أثرت كثيرا على علاقتي بجمهوري من الجالية، إذ راجت كثيرا إلى درجة إلغاء الحفلة التي كنت أحييها بعد إطلاق الشائعة، وقامت خلالها أحداث شغب ورميت أثناءها بالأحجار.

ولهذا لن أسامح يوما من أطلق تلك الشائعة، أما الجمهور فأسامحه لأنه خُدع لا أكثر.

 

‭{‬ وهل هناك موقف طريف غير هذا، لم تتحدث عنه قبلا؟

< في إحدى المظاهرات بالدار البيضاء، خلال الأحداث التي شهدها المغرب في بداية الثمانينات، كانت لدي دراجة نارية، امتطيتها رفقة صديق لي (كان يتابع دراسته وهو الآن في منصب عال، بينما كنت أعمل)، في اتجاه منطقة سيدي مسعود حيث كان مقررا أن أحيي حفلا هناك. حاولت تجنب الأماكن التي تشهد تلك المظاهرات، وحين توقفنا وصديقي في الطريق السيار رأينا حافلة تحمل «السيمي»، فانضم إلينا أربعة أشخاص آخرون، كنا نكتفي فقط بمشاهدتهم يعبرون، حين خرج فجأة من الغابة المجاورة للطريق عدد كبير من الأشخاص الذي بدؤوا بقذف الحافلة بالحجارة، فجأة فر الجميع فبقيت عالقا هناك وحدي لأنني كنت أحاول أخذ دراجتي النارية، قبيل أن تنهال علي هراوات «السيمي» ويتم حملي في إحدى سياراتهم «بيكوب». وفجأة قدم أحد رؤسائهم الذي لمح دراجتي النارية وسأل لمن تكون، فأمر بإخلاء سبيلي وإنزالي في الآن نفسه ومنحي دراجتي. قاومت الألم والدم وركبت دراجتي ومضيت في اتجاه أصحاب الحفل الذين كانوا ينتظرونني، الذين اهتموا بي لدى وصولي. 

شارك المقال

شارك برأيك
التالي