هولاكو العصر الحديث

05 أغسطس 2014 - 19:38

شهر كامل من القصف العشوائي لـ1.8 مليون فلسطيني محاصرين في علبة صغيرة اسمها غزة، لها بابان؛ الأول إلى فلسطين، وقد أصبحت إسرائيل، وهو باب مسدود بإحكام، والثاني يطل على مصر، التي تحولت إلى مملكة للسيسي، لا ترى في فلسطين والقضية والإنسان إلا ثأرا قديما مع حماس جاء الوقت لتصفيته.

العالم يتفرج على الإبادة الجماعية، والتلفزيونات تنقل صور عويل الأطفال، وصراخ الأمهات، ورعب الإنسان وقد سلب أرضه وحريته وكرامته، وعندما نهض يدافع عن نفسه، بما وجد من صواريخ بدائية ومقاومة باسلة، أصبح إرهابيا يجب نزع أظافره حتى تستطيع إسرائيل أن تقتل من تشاء وكيفما تشاء ومتى تشاء دون أن يتعرض جنودها لأي خدش أو خطر…

غزة اليوم بشهدائها الذين قاربوا الألفين، وجرحاها الذين تجاوزوا 10000، ورعب أبنائها الذي فاق كل خيال، تعري ضمير الإنسانية كلها، التي تتفرج على المذبحة، وتحاول أن تجد للمجرم كل ظروف التخفيف، وعندما تعجز عن تبرير الإبادة تبحث للضحية عن تهمة… لماذا رفضت حماس هدنة السيسي؟ ببساطة لأنها هدنة تعطي المجرم بالسلم ما لم يستطع أخذه بالحرب… القتل المستمر اليوم في غزة قتل فظيع لكنه سريع، أما القتل الآخر الذي يتسبب فيه الحصار فهو قتل بطيء، وهو أفظع، وكلفته بالنسبة إلى المجرم أقل، لهذا رفضت المقاومة شروط نتنياهو المذلة…لهذا يصمد الناس تحت القصف وهم ملتفون حول بندقية المقاومة إما إلى القبر فالشهادة وإما إلى فك الحصار في انتظار الاستقلال.

هل يعقل أن يعيش 1.8 مليون إنسان محاصرين في مربع صغير، يأكلون مما يتسرب من الأنفاق كأنهم جرذان…

ما يجري في غزة لن يبقى في حدودها. صمت العالم على جرائم إسرائيل، لأنه يخاف لوبياتها السياسية والاقتصادية والإعلامية في أوربا وأمريكا، لن يمر بدون ثمن… والثمن هو سقوط حرمة القانون الدولي وقدسية الدم وشرف الإنسان. من سيجرؤ غدا أن يرفع صوته في وجه فظاعات البغدادي وجرائم داعش؟ هل ستصل «الدولة الإسلامية» إلى بربرية إسرائيل التي تقصف شعبا بالصواريخ من السماء لأنه تجرأ وطلب حقوقه؟ إن المنطقة ستغرق أكثر فأكثر في دماء بلا حصر وفي فظاعات بلا حدود… عندما تصير الدول والقوى الكبرى والأمم المتحدة والاتحاد الأوربي من داعمي الإرهاب، وممن يوفرون غطاء لإبادة الإنسانية، فكيف يطلبون من البغدادي أو الظواهري أو الملا عمر أن يحترم القانون الدولي الإنساني، وأن يخوض حربا نظيفة… لا صوت سيعلو على صوت هولاكو، والعرب لم يعودوا حتى ظاهرة صوتية، بل صاروا أمة تتقن الصمت بعدة لغات.

شارك المقال

شارك برأيك
التالي