رئيس vierge

10 مايو 2017 - 17:00

ماذا أعجب 21 مليون ناخب فرنسي في الفتى البنكي إيمانويل ماكرون، فحملوه على أكتافهم إلى قصر الإليزيه؟ وما الداعي إلى كل هذا الإعجاب المتدفق من كل القارات إلى أرض فرنسا العجوز، التي أهدت هذا الوجه الليبرالي الوسيم إلى العالم؟

سوسيولوجيا الانتخابات ستجيب عن هذا السؤال بعد أشهر، والمؤرخون سيقولون كلمتهم بعد سنوات، عندما تبرد الأوضاع، ويستقر الوافد الجديد في قصر الحكم، لكن هذا لا يمنع الصحافي من محاولة كتابة بروفايل سريع لأصغر رئيس في تاريخ فرنسا، عل بعض أسرار الإعجاب بماكرون تتضح بعيدا عن مفعول الكاميرا وأضواء المنصات وتقنيات التسويق السياسي.

منذ اللحظة الأولى تبرأ ماكرون من اليسار واليمين والوسط التقليدي، وأعلن أنه مرشح من خارج النظام systèmes، الذي مر منه لكنه لم يطبع مع عاهاته، فأسس حركة ‘‘إلى الأمام’’ من وسط المجتمع المدني، بخليط واسع من الشباب من مختلف المشارب والفعاليات المهتمة بالبيئة وحقوق النساء والاقتصاد الاجتماعي وتخليق الحياة العامة والهجرة والتكنولوجيات الحديثة… منذ اللحظة الأولى أعلن ماكرون ورفاقه أنهم يمثلون القطيعة في ظل الاستمرارية، وأنهم جاؤوا لحل مشاكل فرنسا العصية، بعيدا عن الوجوه التقليدية، وباعتماد منهجية جديدة يمكن تلخيصها من خلال المتابعة والرصد في النقط التالية:

1- الشجاعة: منذ اليوم الأول أظهر الفتى ماكرون أنه شجاع، إلى درجة وصف استعمار بلاده للجزائر بأنه جريمة ضد الإنسانية، وهذه الجملة القاسية لم يسبقه إليها أي مرشح للرئاسة، ولا أي مسؤول فرنسي من اليمين إلى اليسار، كلهم كانوا يختبئون خلف عبارات «المصالحة مع الذاكرة»، وتضميد الجراح، وطي كتاب هذه الحقبة السوداء من تاريخ فرنسا، بل إن مارين لوبان امتلكت الوقاحة لتتحدث عن فوئد الاستعمار وسياساته التوسعية على الجزائر والمغرب وتونس… هذه الجرأة السياسية تغضب بعض الفرنسيين، ولا شك، وتبعد فئة من الناخبين دون شك، لكنها تثير إعجاب الأغلبية التي تريد رئيسا لا يتحدث بلغة الخشب.

2- الشفافية: منذ اليوم الأول أعلن ماكرون ثروته ومداخيله، والتزم بتمويل حملته الانتخابية من جيوب المتبرعين الأفراد، لا من جيوب دافعي الضرائب كما فعل منافسوه، ووضع ماكرون سقفا للمتبرعين لحركة ‘‘إلى الأمام’’، يبتدئ من أورو واحد إلى 7200 أورو، ورفض مشاركة الشركات والهيئات المنظمة في تمويل الحملة، حتى لا تؤثر على سياساته وبرنامج حركته، وأعلن أن أول قانون سيضعه هو قانون تخليق الحياة العامة moralisation de la vie publique، ومنه ضرورة اشتراط سجل عدلي نظيف على كل مرشح لمهمة تمثيلية في الرئاسة أو البرلمان أو المجالس الجهوية أو الإقليمية. ثانيا، منع السياسيين من توظيف الأقارب. ثالثا، منع المنتخبين من إعطاء الاستشارات للشركات والهيئات حتى نهاية ولايتهم. رابعا، دفع الضريبة عن البريمات والامتيازات التي يحصل عليها رجال ونساء السياسة.

3- العقلانية: منذ الساعات الأولى لترشحه لرئاسة فرنسا، اختار الشاب ماكرون أن يعارض الشعبوية، وألا يمسح على رؤوس الفقراء والطبقات الوسطى بوعود غير قابلة للتحقق، ففي الوقت الذي كانت مارين لوبان تقترح على العاطلين الحل السحري، المتمثل في طرد المهاجرين، شرعيين وغير شرعيين، من الأراضي الفرنسية، لإعطاء وظائفهم للفرنسيين، كان ماكرون يعارضها ويقول إن الوظائف لن تزداد في فرنسا بطرد المهاجرين، وإن البطالة ستنزل إلى مستوى يمكن تحمله بشروط وهي: تخصيص 50 مليار أورو من قبل الدولة؛ جزء منها سيذهب إلى ميزانية إعادة تكوين العاطلين عن الشغل ليتأقلموا مع السوق، ويجدوا الوظائف التي يستحقونها، والباقي لتقديم تحفيزات للمقاولات الصغرى والمتوسطة لتوسع نشاطها، ومن ثم خلق فرص شغل جديدة. إحداث تأمين على الشغل، على غرار التأمين على الحياة، من قبل الأجراء أنفسهم، معفي من الضرائب. مدونة للتشغيل مرنة تتيح مجالا أكبر للتفاوض بين رب العمل والأجير، بما في ذلك فسخ العقدة كل خمس سنوات، وإعادة التفاوض والزيادة والنقصان من ساعات العمل. إلغاء 200 ألف منصب في الوظيفة العمومية، ما سيسمح بتوفير مبالغ كبيرة من الميزانية العامة.

4- الاختيارات الواضحة: بقي ماكرون متشبثا بجملة يرددها في وجه اليمين المتطرف، وهي أنه يمثل مشروعا ولوبان تمثل مشروعا مناقضا، وأن من يقرأ برنامجي المرشحين يجد deux France. لم يسع ماكرون إلى التطبيع مع الموضوعات الحساسة التي يلعب عليها اليمين، مثل الإرهاب الذي تراه لوبان آفة إسلامية وجبت محاربتها بمزيد من البوليس والسجون وقوانين الطوارئ، وإجبار المسلمين الفرنسيين على اختيار جنسية واحدة. بالعكس، ماكرون قدم فهمًا أعمق لظاهرة الإرهاب -لا يقول بها حتى بعض المسلمين عندنا- قال للفرنسيين إن أصل الإرهاب يعود إلى الاختلالات التي يعرفها النظام الدولي، وإن الحروب المفتوحة في آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا (العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، أفغانستان، الصومال) هي المشتل النموذجي للإرهاب، مضاف إليها السلطويات التي لا تؤمن بالديمقراطية، وإن الحل هو أن تلعب فرنسا دورها الحيوي في نشر السلم الدولي والنموذج الديمقراطي في الحكم، مع أن ماكرون لا يعارض الزيادة في عدد أفراد الشرطة الفرنسية وتقوية المخابرات، لكن باحترام تام للديانة الثانية في فرنسا، وعدم وضع العرب والمسلمين جميعا في قفص الاتهام.

5- البرغماتية: ولو أنه أعلن انتماءه الليبرالي، وانفتاحه على أوروبا، ومعارضته للتخلي عن الأورو، ورفضه برنامج اليسار بكل ألوانه واليمين بكل أشكاله، فإنه ظل حذرا من الدوغمائية الإيديولوجية، فهو مع اقتصاد السوق، لكن مع برامج اجتماعية، معتمدا برغماتية إيجابية تجعله يتكيف مع عالم يتغير، واقتصاد يتبدل، وتكنولوجيا تقلب أحوال العالم كل يوم، وتهدم اليقينيات القديمة، وتشيد حقائق جديدة، سرعان ما تصير هي نفسها أوهاما قديمة… وهنا استفاد ماكرون من سنه وثقافته وتكوينه ولغته الإنجليزية، وعمله في أول بنك أعمال في أوروبا (روتشيلد).

يسخر الفرنسيون من رئيسهم الجديد كعادتهم، ويقولون إنه ليس فيه من اليمين سوى كلبه المسمى «figaro»، وليس عنده من نوستالجيا اليسار سوى شهادة البيانو التي منحه إياها معهد الموسيقى، والباقي كله متروك للحياة والتجربة.. ألا يبحث الفرنسيون عن رئيس vierge…

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

احمد القصر الكبير منذ 6 سنوات

مند مدة و أنا أبحث عن كلمة السر في إختيار ماكرون و أخيرا وجدتها في مقالك يا أستاد.السر في بنك روتشيلد.على كل هنيئا له بالفوز فهو فاز في انتخابات نزيهة بدون تدخل السلطات و الشعب هو الدي اختاره و سيحكم الشعب الدي اختاره و بيده كل السلطات و الحر بالغمزة و العبد بالدبزة و السلام

محلل سياسي منذ 6 سنوات

أزمة الرأسمالية و تناقضاتها أكبر من أن تحلها هكذا خيارات بل مجرد استبدال شخص بأخر وبنفس السياسات ما يعني تأجيل الأزمة لبضع سنوات أو أقل وفقط و الأيام بيننا. هو مجرد واجهة للشركات و المصارف لن يزيد الأزمة إلا تعقيدا لأنه بنيوية.

ifrani karim منذ 6 سنوات

كل ما كتبته يا سيد توفيق جيد لكن اؤكد لكن انه من المستحيل ان يصل اي شخص الى منصب مهم مثل هذا دون ان تدعمه جهات نافدة وقد اثارت انتباهي جملة في مقالك وهي : وعمله في أول بنك أعمال في أوروبا (روتشيلد).واتمنى من الجميع ان يتجهو الى ال youtube ويكتبو في البحث * عائلة روتشيلد * ليرو المفاجئة انا لست من عشاق نظرية المؤامرة لكن عندما تكون هناك حقائق ملموسة يجب ان يحترم الانسان عقلة.

mohamed منذ 6 سنوات

أرسلت تعليقا منذ عدة ساعات و لم ينشر رغم أنه لا يتجاوز بضع كلمات(25 كلمة) و هاأنذا أعيد إرسالة شكرا. السيد بوعشرين..يقال بأن خير الشر أقله..الفرنسيون كانوا مجبرين على الاختيار بين شر عظيم و شر أقل منه بقليل..هذا كل ما في الأمر..

mohamed منذ 6 سنوات

أرسلت تعليقا منذ عدة ساعات و لم ينشر رغم أنه لا يتجاوز بضع كلمات(25 كلمة) و هاأنذا أعيد إرساله . شكرا السيد بوعشرين..يقال بأن خير الشر أقله..الفرنسيون كانوا مجبرين على الاختيار بين شر عظيم و شر أقل منه بقليل..هذا كل ما في الأمر..

عادل منذ 6 سنوات

كل هذا جميل، ما عليه الآن إلا أن يثبت على برنامجه...

Kamal منذ 6 سنوات

مهم طبعا متابعة ما يجري في العالم الخارجي خصوصا باريس مركز قراراتنا و مصدر توجهاتنا لكن الاولوية في قلقنا لما يجري في ريفنا لهذا أكرر الرجاء من أستاذنا توفيق ببعض الاهتمام قصد تنويرنا

Kamal منذ 6 سنوات

مهم أن نتابع ما يجري في العالم الخارجي من أحداث خصوصا باريس مركز قراراتنا و مصدر توجهاتنا لكن الاولوية في قلقنا لما يحدث في ريفنا لهذا أكرر الرجاء من أستاذنا توفيق ببعض الاهتمام قصد تنويرنا

mohamed منذ 6 سنوات

السيد بوعشرين ..يقال بأن خير الشر أقله..و لذا فإن الناخبين الفرنسيين كانوا مجبرين على الاختيار بين شر عظيم و شر أقل منه بقليل ..هذا كل ما في الأمر ..

نهرو منذ 6 سنوات

لو حدث نفس السيناريو بدولة عربية ، اما يوافقون له ملف ويرفضون ترشيحه وانا يجيشون الدرع الفساد والتحكم والبلطجية والإعلام ضده. لقد أخذنا على فرنسا كل المساويء وتغاضينا عن المميزات وكل ما هو جيد وجميل. نقلنا الفساد ولم ننقل معه المحاسبة والعقاب.. ويحدثونك عن الديمقراطية... ديمقراطية البلوكاج وحشو الحكومة بالتكنوقراط ووزراء مصبوغين في اخر ساعة وكأن المغرب ليس للشعب.. اما نعيش الديمقراطية والشفافية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية... او لا شيء... الشعوب ليست قاصرة.. سؤال: كم هي ثروة ماكرون وكم عدد شركاته؟

ابراهيم أقنسوس منذ 6 سنوات

هذا ما اختاره الفرنسيون ، ويختاره الأوروبيون عموما ، ولذلك يتقدمون ، ولا يتأخرون ، 1_ الشجاعة: التي تعني القدرة على امتلاك الرأي ، والتعبير عنه . 2_ الشفافية : والتي تعني صفاء الذمة المالية ، ونظافة اليد ، والبعد عن الشبهات ، بلغتنا . 3_ العقلانية : والتي تعني كلام المنطق والحساب ، لا كلام العواطف والأوهام . 4_ الاختيارات الواضحة : والتي تعني القدرة على طرح ، وتنفيذ مقاربات جديدة ، لإشكالات صعبة ، ومعقدة ، مع تحمل كامل المسؤولية ، إقناعا ، وتطبيقا . 5_ البرغماتية : والتي تعني خدمة مصالح البلد ، بالمعنى الواسع ، والكبير ، والمتغير ، للكلمة . هذه هي عناصر اختيار الفرنسيين ، اختاروا ، وتم احترام اختيارهم ، فلنتأمل ، هل قدرنا أن نظل مجرد متفرجين ، نهلل لانتصارات الآخرين .

التالي