حكايات تعايش الرئيس الفقير موخيكا مع الموت

24 يونيو 2017 - 01:00

تعايش موخيكا مع الموت الذي ظل يرافقه كظله، وتكلم عنه كحدث عادي بدون حزن ولا خوف ولا استسلام. فقد ذاق مرارة الموت وهو صغير عندما خطفت المنية منه والده، كما أنه في مرحلة الشباب كان شاهدا على سقوط الكثير من رفاق السلاح في الحركة الثورية التي كان أحد عناصرها، وها هو الآن يستحضر الموت في حياته اليومية. ينتظره دون الرغبة في اختيار وقت معين، كما أنه لا يبالي به. فقط، يتصوره كمشهد جديد، رغم أنه في أعماق نفسه يعرف أن النهاية آتية لا ريب فيها. هناك سينتهي كل شيء. “قبل 45 عاما وضعت المسدس في حزامي وخرجت مغامرا بحياتي. أنا لم أهب الموت يوما، فما بالك اليوم”، قال في دردشة معنا في آخر فصل شتاء له كرئيس.

“لا أحد يحب الموت، لكنه آت عاجلا أم آجلا. لهذا أرجوكم لا تعيشوا وأنتم ترتعشون أمامه. تقبلوه كما قبلته وحوش الغابة. فالحياة ستستمر، يجب أن يكون تعامل الواحد مع الموت كتعامل البدائيين. أنا هنا لا أشيد بالموت، لكنه موجود، ويجب التعايش معه”. يتألم موخيكا للأشخاص الذين يعانون من أمراض مهلكة لشهور وسنوات، وفي النهاية ينتهي بهم المطاف إلى الموت، لهذا يتمنى أن يطوي آخر صفحة من كتاب الحياة في صمت دون معاناة. وفي هذا يقول: “أتمنى أن يأتي الموت الرحيم قبل الأمراض. في بعض الأحيان الموت يحررنا”.

حتى وهو رئيس يشعر أن السنوات استنزفته، إذ يجد صعوبة في النوم، وفي بعض الأحيان يشعر بالألم على مستوى الورك، كما تخونه الذاكرة، أحيانا، علاوة على صعوبة دوران الدم في الركبة، لكن لا شيء من كل هذا يمنعه من التفكير بوضوح. إذ كان “المشكل بالنسبة إليه هو أن الدماغ يشتغل بشكل جيد. أنا لدي مسؤوليات وهذا يفرض عليّ أشياء، وهذا الأمر يعتبر حافزا للعيش”. أمام هذه المتاعب الصحية كانت ترافقه طبيبة مختصة في كل رحلاته إلى الخارج مثل ظله، كما تتابع حالته الصحية أسبوعيا في الأوروغواي. “يجب عليّ تحملها”، يعلق على متابعة الطبيبة له، مضيفا أنه في بعض الأحيان ينفذ بعض نصائحها.

وهو يتكلم عن الموت يتذكر والدته التي عوضت غياب الأب منذ أن كان يبلغ سن السابعة؛ إذ بعد وفاة والدته في سن الـ80 عاما حلت محلها زوجته لوسيا. “توفيت والدتي عن سن 80 عاما، أي العمر نفسه الذي أبلغه اليوم. افتقدت إلى عطف الأب، لكن والدتي ذات الطابع الصارم قامت مقام الوالد وتحملت كل شيء من أجل ألا أعاني خصاصا. كانت امرأة عظيمة. كانت تحمل أكياسا تزن 50 كيلو غرما، وتدبر لوحدها شؤون البيت”. وأضاف أنه يحاول مع زوجته لوسيا نسيان الموت، لهذا قررا الاحتفاء بزواجهما المتأخر في البيت الريفي، وهما يرددان: “نحن نتقدم في السن. قد يخطف الموت أحدنا”، لهذا قررا الزواج لتوثيق علاقتهما من الناحية القانونية.

سألناه بعد أيام من مغادرته كرسي الرئاسة عن مشاريعه، فأكد لنا أن سيبقى متشبثا بالحياة – التي يصفها بالمعجزة-، وأضاف قائلا: “إذا بقيت في البيت دون فعل أي شيء سأموت”، لهذا تجده يفكر في المكتب الذي سيفتحه لتقديم الاستشارة البرلمانية، كما يستعد لقبول طلبات لإلقاء محاضرات في الخارج. يُحضّر، أيضا، للقيام بزيارة إلى منطقة “موخيكا” بإسبانيا، أرض أجداده.

في زيارة له إلى واشنطن بعد مغادرة كرسي الرئاسة سأله العديد من المعجبين عما ينوي فعله، فتحدث عن زيارة أرض الأجداد بإسبانيا، ورغبته في بناء مدرسة فلاحية في مزرعته، قبل أن يصمت وينطق بكلمة: “المقبرة”، صمت بعض الثواني وردد من جديد: “سأذهب إلى المقبرة: قبري”.

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي