الحوار الإسلامي اليساري

07 سبتمبر 2017 - 14:56

أولا، أن تكون المؤسسة التي سهرت على الحوار الإسلامي-اليساري في جنيف تحمل اسم «قرطبة» الإسبانية- الأندلسية، فيه استلهام واضح لروح التعايش التي سادت مدينة ابن رشد وابن ميمون، قبل حوالي تسعة قرون.

وأن يجعل لقاء جنيف وثيقته المرجعية هي «صحيفة المدينة» التي أبرمها الرسول (ص) مع يهود المدينة، قبل 14 قرنا، فإن ذلك يعني، من جملة ما يعنيه، إقرارا ضمنيا بأن وضعنا متخلف ومركب وخاص.

هل تعود الأطراف السياسية والمدَنية، في المغرب، إلى الزمن الهليني أو عصر النهضة، للجواب عن خلافاتها وتقريب وجهات نظرها في القضايا المصيرية؟ ذينك زمنان (الهليني والنهضوي) استكملا دورتهما، وذلك بترسيخ عدد من المكاسب وتحصينها، ثم تجاوزها. أما نحن فنعيش عودا أبديا» retour eternel».

ثانيا، لماذا تخشى دولنا العربية، ومنها المغرب، أي تقارب بين اليساريين والإسلاميين؟ إلى درجة أن من يسعى إلى إقامة أي حوار بين الرفاق والإخوان، يدخل دائرة المغضوب عليه، مثلما حدث مع تنظيمي «البديل الحضاري» و«الحركة من أجل الأمة» الإسلاميين، اللذين يربطان بين محاولتيهما الاقتراب من اليسار المغربي، وبين دخول قيادتهما السجن وحظرهما العمَلي. أو مثلما يحدث مع المؤرخ والحقوقي المعطي منجب، الذي يعتبر العديدون أن متاعبه مع السلطة هي نتاج كتاباته الفكرية والندوات الحوارية التي نظمها مركز ابن رشد للدراسات والتواصل الذي كان منجب يديره، بين يساريين وإسلاميين.

إن تقاربا إسلاميا- يساريا، يسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة، يجب ألا يكون، بالأساس، من منطلق عدو عدوي صديقي، أي لمواجهة السلطة، وإلا سيكون محكوما عليه بالفشل أو بالبقاء في دائرة رد الفعل الاحتجاجي على السلطة. وفي كل الأحوال لن يتجاوز سقف التنسيق في الشارع حول ملفات مطلبية، على ما لهذا التنسيق من أهمية تزيد وتنقص بانفتاح وانسداد قنوات الحوار الفكري وتسطير أرضية للنضال الديمقراطي داخل المنظمات الجماهيرية.

وحسنا فعلت مؤسسة قرطبة التي جمعت بين منتمين إلى تنظيمات راديكالية، يسارية وإسلامية، وأخرى معتدلة، بل في السلطة، مثل سعد الدين العثماني الذي بدأ هذا الحوار في لقائه الأول بإسطنبول في فبراير 2016، وهو متحرر من أي مسؤولية حكومية، واستأنفه الآن وهو رئيس للحكومة.

ثالثا، إن تركيز هذه المبادرة على إنتاج ثقافة سياسية جديدة مشتركة تستند إلى قِيم الحرية والعدل والكرامة والتنوع والقبول بالآخر وعدم الإقصاء والمواطنة ونبذ العنف، من خلال بناء تحالفات عابرة للإيديولوجيات، وتركيزها، أيضا، على تجاوز الجدل الفلسفي والتركيز على ضرورة العمل المشترك.. قد وقف على مكامن خلل الحوارات السابقة التي بقيت نظرية-نظرية، ومحفوفة بالكثير من الحواجز النفسية والأحكام الجاهزة التي يساعد العمل الميداني المشترك كثيرا في إذابته

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي