الاستفادة من الأعاصير

21 سبتمبر 2017 - 15:24

 

 

نعم، إنها كارثة. نعم، إنها فاجعة. وبما أنني أعرف جيدا تلك الجزر (أي جزر الأنتيل الفرنسية في بحر الكاريبي) وبعضا من سكانها، فإنني أدرك جيدا ماذا تمثل هذه المآساة: حيوات محطمة، إرث ضائع، مراكب وأدوات الصيادين غارقة. لكن، لا يمكننا الاقتصار على التباكي، بل ينبغي استغلال ما حدث أفضل استغلال.

فالمفكر الألماني (فريدرتش) نيتشه يقول: «الضربة التي لا تقتلك تقويك»، وهذا الأمر ليس صحيحا دائما، و(عالم الاقتصاد النمساوي الأمريكي جوزيف) شومبيتر (schumpeter) يتحدث عن «التدمير الخلاق»، وهذا كذلك غير صحيح.

مع ذلك، يمكننا أن نستفيد كثيرا من أي كارثة، بشرط عدم الاكتفاء بحل المشاكل المستعجلة، ولا بإعادة البناء بالطريقة السابقة ذاتها. لتحقيق هذا الهدف، يتعين، قبل كل شيء، الوعي بالمشاكل التي تكشفها هذه الأعاصير، وفي مقدمتها طبعا الوعي بالسبب العميق: ارتفاع درجة حرارة المحيطات جراء الانبعاثات المفرطة لثاني أوكسيد الكربون (CO2) في كل مناطق الكوكب، والنفايات البلاكستيكية، وكذلك – ولا يجب إغفال هذا- الصيد المفرط.

ثانيا، يتعين الانتباه إلى التداعيات غير المتساوية لهذه الأعاصير: إلى جانب الإقامات والفنادق الفاخرة، ينتشر الفقر بشكل مهول في هذه الجزر، وبالتالي فدرجة تأثير هذه الكوارث تكون مختلفة على السكان تبعا لمواقع بيوتهم والطريقة التي بنيت بها، وتبعا لاستفادتهم من التأمين أم لا: طبعا الأغنياء هنا يتوفرون على التأمين أكثر من الفقراء.

وعموما، في هذه الجزر لا يتم احترام دولة القانون كثيرا، وتنتشر فيها مختلف أنواع الممارسات الإجرامية، ولا يراعي فيها البناء أي قواعد. في مرحلة ثانية، وبعد القيام بالتحليل اللازم، يجب إعادة البناء، ولكن بشكل أفضل من السابق. أولا، يجب إعادة النظر في كيفية تدبير العقار، وإصدار رخص للبناء تلزم باحترام أشكال إستيطيقية تناسب الثقافة المحلية، وتفرض استعمال مواد متينة، وتحرم البناء في بعض المناطق.

ثانيا، يتعين فرض تأمينات إجبارية تغطي كل الممتلكات وكل الأشخاص الذاتيين. وهذا سيسمح بإحصاء دقيق للسكان. فلا يجب لأي كان أن يعيش على التراب الفرنسي دون أن يكون مؤمنا، وليس فقط، من طرف الجماعات المحلية، التي يجب أن تقتصر مهمتها – في عالم مثالي- على إعادة بناء البنيات التحتية العمومية، والحرص على تجسيد التضامن المنصوص عليه في القانون.

أخيرا، يجب التحرك بشكل جدي للتصدي للأسباب العميقة لتكون الأعاصير، من خلال التقليص الشديد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون، والتلقيص ما أمكن من استخدام الغاز، والبترول والميتان.. من خلال التخلي عن استعمال الأكياس البلاستيكية، والتخلص من تلك التي تخنق المحيطات اليوم.. ومن خلال فرض الصيد المسؤول. في المحصلة النهائية، إذا ما استخلصنا الخلاصات المناسبة من هذه الكارثة، فإن هذا الإعصار سيساهم في خلق مناصب شغل، وتحريك النمو، وتحويل هذه الجزر إلى تلك الجنات الهندسية والسياحية التي لم تبلغها قط حقا في الماضي.

وبشكل أعم، سيساهم كل هذا في إعادة توجيه الإنتاج والاستهلاك العالميين نحو نموذج أكثر إيجابية، أي نموذج يرحب بالأجيال المقبلة. هذا لا يسري فقط، على جزر الأنتيل، بل على كل تلك المنطقة (الكاريبي)، التي يتميز بحرها بحرارته المرتفعة، وبالتالي يكون ملائما لاندلاع الأعاصير.. وعلى مناطق أخرى بعيدة بما فيها فرنسا طبعا.

صحيح أن الطريقة التي أهملت بها الولايات المتحدة استخلاص الدروس من الأعاصير السابقة لا تبعث على التفاؤل، ولكن يجب التحرك فلن تكون هناك إنذارات كثيرة في المستقبل.

ترجمة: مبارك مرابط عن «لكسبريس»`

شارك المقال

شارك برأيك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التالي