عادل بنحمزة: سجن بوعشرين سبة حقوقية

09 سبتمبر 2018 - 21:20

الدخول السياسي..

عادل بنحمزة// الناطق باسم حزب الاستقلال

نحن بحاجة إلى سماع الأسباب والخلفيات التي تقف وراء إعادة العمل بالتجنيد الإجباري، علما أن ما يقال عن الهدف من ذلك، وهو إذكاء الروح الوطنية، يعتبر خطيرا، لأن معنى ذلك أن كل من لم يمر من التجنيد العسكري فهو يعاني خللا في التنشئة الوطنية، علما أن هناك مؤسسات أخرى، سواء رسمية أو غير رسمية، من مهامها إذكاء الروح الوطنية، كالمدرسة والجامعة والأحزاب السياسية والنقابات العمالية والجمعيات الرياضية والثقافية والحقوقية، وباقي النسيج المدني.

يجب التذكير بأن البنك الدولي، في تقريره الخاص بالمغرب في أفق 2040، قدم تشريحا دقيقا لأسباب ضعف الرأسمال الاجتماعي، حيث تسود الأنانية والبحث عن الحلول الفردية، وتراجع الاستعداد للتضحية من أجل الجماعة، نتيجة سلسلة من الإحباطات من فشل السياسات العمومية في مجالات مختلفة، بالإضافة إلى سيادة الفساد وغياب العدالة والكرامة وتراجع الحريات. الوطنية لا تعني التجنيد العسكري، سواء كان إجباريا أم اختياريا، كما أنه في الجيوش العصرية اليوم لم يعد العنصر البشري والكم محددا حاسما في قوتها. هناك اليوم جيوش احترافية تعتمد التكنولوجيا الحديثة، وأصبحت غرف العمليات أشبه بنادي لـ«البلايستايشن». لكن يجب ألا يفهم مما ذكرت أنه رفض مطلق للتجنيد، بل فقط هناك ضرورة لوضع النقط على الحروف، وضرورة التزام الوضوح في ذكر الأسباب التي لم تذكر إلى اليوم.

في ما يخص موضوع مجانية التعليم، أعتقد أن الدولة انسحبت بصورة كلية من القطاع، وتركت الأسر وجها لوجه مع الواقع. المؤسف أن هذا يقع في ظل حكومة تقول إن لها حساسية اجتماعية، ويقودها حزب نابع من الشعب، ومن المفروض أن فوزه في الانتخابات يجب أن يكون لصالح الناخبين، وليس العكس. أصبح التعليم اليوم مجالا جديدا لمراكمة الثروة، فبعد انفجار فقاعة العقار، هرول عدد كبير من المقاولين إلى إحداث مؤسسات للتعليم الخاص، بكل ما يحمله ذلك من عقلية تجارية محضة، وكذلك في ما يتعلق بإنتاج الكتاب المدرسي وباقي المواد التي تدخل في العملية التعليمية، إذ تحول الكتاب المدرسي إلى «بزنس» لا يخضع لأي ضوابط، وهذه إحدى نتائج توصيات ميثاق التربية والتكوين، الذي فتح الباب مشرعا للاتجار في المقررات وتعديلها، وجعل صلاحية الكتاب المدرسي لا تتجاوز السنة الواحدة، بعدما كانت الأجيال السابقة تتوارث الكتب وما بقي من الدفاتر، حيث تتحكم في ذلك عقلية تجارية تتعامل مع إجازة الكتب المدرسية كتعاملها مع رخصة للنقل أو الصيد البحري. يراد لموضوع لغات التدريس أن يكون طابو، ومن يدمرون المدرسة المغربية يراهنون على استمرار ذلك، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع أنه لا يمكن الحديث عن نجاح للتعليم في أي بلد دون حسم موضوع اللغة.

شخصيا، أرى أن مشكلة التعليم يجب أن تحل على عدة مستويات؛ يتعلق الأول بنزع الطابع التجاري المحض عن الاستثمار في القطاع، وتحمل الدولة مسؤوليتها الكاملة، خاصة في تعبئة الموارد المالية والبشرية، ووضع نظام جهوي حقيقي للتعليم، وتعزيز استقلالية الأكاديميات الجهوية، واعتماد اللغة الإنجليزية لغة رسمية في 50 في المائة من المواد المدرسة، وأن يكون الحصول على الباكالوريا في جميع التخصصات مشروطا باجتياز الاختبارات المعتمدة على المستوى الدولي لاختبار إتقان الإنجليزية. أعتقد أنه إذا لم تحقق هذه التدابير، فإنه من الصعب انتظار المعجزة. أما البطالة، فهي قضية لها تأثيرات كبيرة في المستقبل القريب، ليس فقط بالنسبة إلى بلادنا، ولكن أيضا على المستوى الدولي. يجب الاعتراف بأننا مقبلون على عصر جديد يتراجع فيه بشكل تدريجي الاعتماد على العنصر البشري، ليس فقط في ما يخص القوة البدنية، ولكن أيضا حتى في المهن التي كانت تصنف ضمن «مهن الياقات البيضاء»، فالذكاء الاصطناعي، في ظل الثورة الرابعة، والطابعات ثلاثية الأبعاد ولغات البرمجة والربوت، لم يترك مجالا مهنيا واحدا دون أن تقتحمه. لم تعد السرديات الكلاسيكية للاقتصاد السياسي للبطالة صالحة لتحليل الظاهرة، ومقولة إن النمو يخلق الشغل أصبحت متجاوزة ولا يسعفها الواقع. يتطلب إصلاح المنظومة التعليمية جيلا على الأقل، وهو ما يعني أننا أضعنا الموعد، وأن التكلفة ستكون قاسية جدا.

أعتقد أنه يجب طي صفحة ملف متابعة بوعشرين بشكل مستعجل، فالقضية عرفت منذ البداية تعسفا على القانون، وتجنيا على الحقيقة. نحن ننتظر حكم القضاء، لكن، كما يقول الفقهاء، النتائج من جنس المقدمات. وعندما تكون المقدمات بالشكل الذي تابعه الجميع، فإن الرهان على المسار القضائي يكون دون معنى. لقد وقع المس بقرينة البراءة، ولم تحترم معايير المحاكمة العادلة، بل تستمر محاكمة بوعشرين في حالة اعتقال بشكل مخالف تماما لما يفرضه القانون، مادام ليس هنالك تلبس باعتراف النيابة العامة نفسها. الموضوع سبة حقوقية في حق المغرب، وكثيرون اليوم، سواء من أصدقاء بوعشرين أو من خصومه، لا يمكن أن يتجاهلوا الأسباب الحقيقية. مازال هنالك أمل في تجاوز هذه الوضعية التي تسيء إلى بلدنا.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *