الاغتيال هو مصير المقاتلين « الداعشيين » الذين يحملون الجنسية الفرنسية الموجودين ضمن صفوف تنظيم « الدولة الإسلامية » في العراق وسوريا، وأكثريتهم ينحدرون من أصل مغربي. هذا ما تكشف عنه معلومات جديدة نشرتها صحيفة « ليبراسيون » الفرنسية، التي بينت أن الفرنسيين باتوا مقتنعين بل وينفذون دون توقف، عمليات اغتيال مركزة ضد الجهاديين « الفرنسيين » الذين غالبيتهم ينحدرون من المغرب والجزائر ثم تونس، وذلك بدل الطرق الأخرى التي كانت تلجأ إليها السلطات الفرنسية لمواجهة خطر هؤلاء الجهاديين، سواء من خلال نزع الجنسية الفرنسية عنهم، أو محاكمتهم ثم ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية بعد عودتهم إلى فرنسا.
وبحسب آخر تقديرات رسمية قدمها وزير الداخلية المغربي، محمد حصاد، قبل أزيد من عامين، فإن عدد الجهاديين المغاربة الذين لديهم جنسيات أوروبية، يتجاوز ألف شخص، وغالبيتهم التحقوا بـ »داعش » انطلاقا من فرنسا وبلجيكا.
ويبدو أن الفرنسيين قد وجدوا أن الحل الأكثر ملاءمة في هذه القضية، هو التخلص من الجهاديين بشكل نهائي، سواء باستعمال قواتهم بشكل مباشر، أو بطلب مساعدة الأمريكيين في تنفيذ عمليات الاغتيال هذه.
وتضاعف عدد الجهاديين الفرنسيين المنحدرين غالبا من المغرب أو الجزائر الذين قتلوا في سوريا أو العراق بواسطة عمليات قصف مركزة. ثلاثة منهم لقوا مصرعهم في بداية شهر دجنبر، أحدهم كان مبحوثا عنه من لدن السلطات الفرنسية. وبعد فترة قصيرة، قتل واحد من كبار القادة الفرنسيين في تنظيم « الدولة الإسلامية » بواسطة صاروخ أطلقه الأمريكيون من طائرة بدون طيار. وفي 6 أكتوبر، قضت ضربة جوية فرنسية على جهادي يشتبه في كونه كان مسؤولا عن التخطيط لعملية اعتداء فاشلة ضد كنسية « فيلجويف ».
وبشكل رسمي، فإن السلطات الفرنسية لا تعترف بتنفيذ عمليات اغتيال ضد الجهاديين الذين يحملون جنسيتها، ويقول مدير الاستخبارات العسكرية لصحيفة « ليبراسيون »: « إن فرنسا لا تنفذ أي عمليات ضد أهداف عالية القيمة »، موضحا أن الأهداف في الضربات التي يجريها الجيش الفرنسي « لا تحمل أسماء وليست شخصية ».
ووفقا لرواية السلطات الفرنسية، فإن الجهاديين الذين يحملون الجنسية الفرنسية يقتلون بشكل عرضي فقط في العمليات التي تستهدف مواقع تسليح أو قيادة لتنظيم « داعش » في سوريا أو العراق. وللفرنسيين سوابق في وضع قائمة قتل نفذت ضد جهاديين في أفغانستان والصومال وفي منطقة الساحل، وقد ظهرت المعلومات المرتبطة بهذه العمليات في كتاب « قتلة الجمهورية » الذي صدر عام 2015.
وتبقى التفاصيل المتعلقة بعمليات الاغتيال التي تستهدف جهاديين يحملون جنسية فرنسية ضمن الأسرار الأكثر حماية لدى سلطات هذا البلد. وتنفذ عمليات الاغتيال عادة وفقا لتصريح للمدير العام السابق للمخابرات الفرنسية، إما فرق صغيرة العدد أو شخص واحد كي لا يستطيع أي شخص تتبع أي أثر لمنفذي الاغتيالات أو التعرف على هوياتهم. لكن هذه الطريقة ليست مشابهة لتنفيذ الاغتيالات في سوريا أو العراق، ويعتقد أن الرئيس الفرنسي نفسه لا يأذن بتنفيذ هذه الاغتيالات، وإنما تتحكم فيها الاستخبارات نفسها بشكل حصري. وهي تستخدم كافة إمكاناتها الحالية في العراق وسوريا.
وتستعمل هذه الإمكانات لتحديد مواقع وجود الجهاديين الذين يحملون الجنسية الفرنسية، كما حدث عقب اعتداءات باريس في نونبر 2015، بحيث إن طائرات فرنسية نجحت بعد يومين فقط من تلك الهجمات، من تنفيذ غارة نواحي مدينة حمص بالاستناد إلى معلومات وفرتها المخابرات الفرنسية وأيضا السلطات الأمريكية. ووفقا للمعلومات التي نشرتها صحيفة « ليبراسيون »، فإن المخابرات الفرنسية وضعت منذ صيف 2014، خلية عملياتية سمحت بتبادل المعلومات بين الأجهزة الاستخباراتية الست لتحديد ملفات الأهداف، وهي ملفات تتضمن كافة المعطيات حول القادة الجهاديين وخبراء المتفجرات في تنظيم « داعش »، ومواقعهم من خلال معلومات يزودهم بها عملاء عراقيون أو سوريون أو أكراد على الأرض هناك.
وهناك وسيلة أخرى يلجأ إليها الفرنسيون للتخلص من الجهاديين الذين يحملون جنسيتها، لتفادي أي ملاحقات قضائية ضد الدولة، وهي اللجوء إلى مساعدة الأمريكيين. وينفذ الطيران الأمريكي عمليات قصف ضد جهاديين فرنسيين استنادا إلى معلومات يزودهم بها الفرنسيون عبر وحدة عمليات مشتركة Pot Commun. وهكذا وفي 4 دجنبر الفائت، قتل ثلاثة جهاديين يحملون جنسية فرنسية في مدينة الرقة بضربة جوية نفذها الجيش الأمريكي، اثنان منهم، وهم صلاح الدين غورمات، وسامي جدو، شاركا في التخطيط لاعتداءات 13 نونبر في باريس. فيما الثالث واسمه وليد حمام، فهو شخص مدان من لدن القضاء البلجيكي بخمس سنوات سجنا بسبب صلته بخلية عبد الحميد أبا عوض.
وفي 26 نونبر، لقي بوبكر الحكيم مصرعه في غارة أمريكية في الرقة، وكان قبل مقتله رئيسا لوحدة عمليات مهمتها تكوين فرق لتنفيذ اعتداءات فوق الأراضي الفرنسية. ثم هناك شخص آخر يدعى مكريم أبروغي، قتل ليلة 7 أكتوبر الفائت في ضربة جوية فرنسية نواحي مدينة الرقة السورية، وكان واحدا من خبراء صناعة المتفجرات في تنظيم « داعش ».
ووفق التقديرات شبه الرسمية، فإن القوات الفرنسية لوحدها قتلت حوالي 2500 شخص في سوريا والعراق بواسطة عمليات قصف جوي.