-->

زوما غرق في بحر المال والنساء

16 فبراير 2018 - 18:00

تعلم في السجن القراءة والكتابة، وأمضى عشر سنوات وراء القضبان، لكنه لم يتعلم شيئا من الشفافية والنزاهة طيلة تسع سنوات في الحكم. هذه واحدة من مفارقات الرئيس المخلوع جاكوب زوما (76 سنة)، الذي قاوم لمدة سنة محاولات إزاحته من قبل رفيقه في الحزب، رامفوزا، لكنه في النهاية أذعن للأمر الواقع قبل ساعات من تقديم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي مذكرة لحجب الثقة عن حكومة زوما في البرلمان، عندها استسلم جاكوب وقال، أول أمس في خطاب الوداع: «إنني لا أحب أن تسيل قطرة دم واحدة بسببي، وسأبقى مناضلا في حزبي، حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي تربيت فيه طيلة سنوات عمري».
من 2009 إلى 2018 لم تتوقف تهم الفساد عن الدوران فوق رأس تلميذ مانديلا، الذي أمضى 10 سنوات في السجن و12 سنة في المنفى، وتسع سنوات في الحكم. زوما كان يرى أن الخروج من السلطة معناه دخول المحكمة، لذلك، قاوم عملية عزله من الحزب، حتى يبقي نوعا من الحماية حول عنقه، لكن رفاق المؤتمر الوطني الإفريقي لم يصبروا حتى ينهي «زير النساء هذا» سنته الأخيرة في رئاسة دولة جنوب إفريقيا، وذلك بسبب تدهور شعبية الحزب في سوق الانتخابات، وتدني الحصيلة الاقتصادية لزوما، وانتشار أخبار الفساد السياسي وسط محيط الرئيس، فقد أظهرت دراسة حديثة، صادرة عن مركز العلاقات بين الأعراق في جوهانسبورغ، أن حزب مانديلا فقد في السنوات الأخيرة أكثر من 20% من شعبيته لصالح أحزاب المعارضة، خاصة الشعبوية منها، والتي تريد أن ترجع بالبلد إلى الخلف، من خلال التحريض على المواطنين البيض، والدعوة إلى مصادرة أراضيهم وثرواتهم، في موجة عنصرية مضادة، ضد البيض هذه المرة، من قبل السود الذين يئسوا من إيجاد حل لمشاكلهم في بلد 55% من سكانه تحت عتبة الفقر، حسب البنك الدولي.. بلد يعرف أعلى نسبة للإجرام في العالم، وتسمع في عاصمته طلقات الرصاص سبع مرات كل يوم، وهذا مفهوم إذا عرفنا أن النسبة العامة للبطالة تصل في جنوب إفريقيا إلى 27% ووسط الشباب، وترتفع هذه النسبة إلى 50% في بلد تصل ساكنته إلى 55 مليون نسمة، وبه ثروات وإمكانيات كبيرة، وفوق هذا تجربة رائدة في النضال ضد الميز العنصري، وفي المصالحة والغفران، وفي الانتقال الديمقراطي الذي دشنه مانديلا بعدما خرج من سجن دامت مدته 27 سنة.
بشكل من الأشكال، يتحمل الراحل الكبير، نيلسون مانديلا، مسؤولية كبيرة في الدفع بزوما إلى واجهة السلطة، فقد كان البطل الكبير في النضال يعطف كثيرا على زوما، الذي نشأ يتيما، وأمضى طفولة شاقة وبائسة وسط فقراء قبيلة الزولو، وبعدها مكث مدة عشر سنوات وراء القضبان، تعلم فيها السياسة والنضال وفن التفاوض. لكن تابمبيكي، الرجل الثاني في المؤتمر الوطني الإفريقي آنذاك، لم يكن يحمل أي ود لزوما، وكان يعرف عيوبه وضعفه تجاه المال والنساء، فعمد إلى إقصائه من منصب نائب الرئيس، عندما كان هو المسؤول الأول في البلد بعد تنحي مانديلا، لكن زوما الثعلب رجع إلى صفوف الحزب الذي تربى فيه، وظل يقاوم عمليات إبعاده، مستغلا انشغال أعدائه بالسلطة، حتى تسلم رئاسة الحزب، وبعدها رئاسة الحكومة، لكنه خرج اليوم من السلطة من الباب الصغير، متهما بالفساد وبقيادة البلاد إلى ما يشبه الإفلاس الاقتصادي.
هنا في المغرب لا نحمل أي ود للرفيق زوما المتزوج بأربع نساء، وذلك بسبب تحالفه مع الجزائر على بند واحد هو مناهضة حق المغرب في صحرائه، ودعم جبهة البوليساريو بكل الوسائل، وفتح سفارة للجمهورية الصحراوية، حتى وصل الأمر إلى حجز بواخر دولية تحمل الفوسفاط المغربي، بدعوى استخراجه من مناطق متنازع عليها. لم يكن الخطأ كله في تردي علاقات المغرب مع بلاد مانديلا مسؤولية الأبناء الأفارقة الذين جاؤوا بعد بطل التحرير. جزء من أزمة العلاقات المغربية-الجنوب إفريقية تتحمل الرباط مسؤوليته أيضا، لأنها تقاعست عن العمل والتخطيط لمواجهة المناورات الجزائرية مع حكام جنوب إفريقيا، حديثي العهد بالسلطة وامتيازاتها، وجرى اللجوء إلى الحلول السهلة في تدبير الأزمات، والمتمثلة في الكرسي الفارغ، حيث جرى سحب السفير المغربي من عاصمة مهمة في إفريقيا، وباقي القصة معروف، وإن كانت بعض جوانبها الدرامية تكررت السنة الماضية فقط عندما «عين» المغرب سفيرا هناك لم يستشره أحد قبل بعث اسمه إلى جوهانسبورغ سفيرا للمملكة، ولم تدقق وزارة الخارجية والتعاون في مؤهلاته، وأولها إجادة اللغة الإنجليزية، حتى إن سفير المغربي السابق في الشيلي، عبد القادر الشاوي، نفسه، اعتذر عن تحمل هذه المهمة الثقيلة التي اقترحه لها صديقه إلياس العماري، الذي كان وراء تعيين سفراء كثيرين من وراء ظهر الحكومة ووزير خارجيتها.
الآن لا ننتظر شيئا من رئيس انتقالي سيجلس على كرسي الحكم من الآن إلى سنة 2019، تاريخ إجراء الانتخابات الجديدة. سيريل رامفوزا (65 سنة) النقابي الذي أصبح رجل أعمال ثريا، لن يولي اهتماما لموضوع جزئي مثل العلاقات مع المغرب الآن، لكن إذا كان هناك عمل وذكاء وحركة لوزير الخارجية، ناصر بوريطة، وآخرين فيمكن أن نفتح مع رامفوزا صفحة جديدة بعد إعادة انتخابه في 2019، فلا ننسى أنه لم يفز برئاسة حزبه إلا بفارق 180 صوتا عن زوجة زوما السابقة، التي لا مكان في قلبها للمغرب وكل هواها مع الجزائر.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ع الجوهري منذ 6 سنوات

أعتقد أن الجزائر اخترقت البديل لزوما قبل تنحيه

التالي