علاقة السياسي والصحافي تدخل مرحلة كسر العظام

06 مارس 2018 - 07:31

تباينت وجهات نظر المشاركين في ندوة «الصحافي والسياسي.. سوء الفهم الكبير»، التي نظمها المركز الإعلامي المتوسطي، يوم الجمعة الماضي، بمقر الجامعة الأمريكية في طنجة، بشأن توصيف طبيعة العلاقة بين الفاعلين السياسيين والصحافيين، والتي تتراوح بين الهدنة تارة، وتنزع نحو المواجهة في أحايين كثيرة. غير أن أغلب المداخلات في هذه الندوة اتفقت على وجود معطى موضوعي يتمثل في السياق الذاتي للدولة والمجتمع، فإن كنا نسير بشكل متعثر نحو الديمقراطية، فإن الممارسة الإعلامية مازالت لم تترسخ بعد.

معركة كسر العظام

يرى الصحافي والكاتب، رشيد البلغيتي، أن العلاقة بين الفاعل السياسي والصحافي وصلت إلى مرحلة كسر العظام مع التطورات الأخيرة، وأنها تعيش مآسي كبيرة سببها السياسيون بمختلف مراتبهم ومستوياتهم في هرم المسؤولية في الدولة، متسائلا في هذا السياق: « أين هو علي أنوزلا، محمد رضى بنشمسي، علي المرابط، محمد حفيظ، بوبكر الجامعي؟ »، ليجيب بأننا «أمام حالة لجوء، لأن المقاولة الصحافية، وإن كانت ناجحة اقتصاديا، ستصفى، والقلم الصحافي وإن كان جميلا سيُكسر، وبالتالي، من الذي سيبقى يكتب؟ لأن الناس يتعلمون الدروس من التضييق والملاحقة والتخويف والترهيب».
وتابع البلغيتي، في مداخلته في الندوة المذكورة، أن الممارسة الصحافية بالمغرب تعرف ازدهار صحافة التشهير، والتي لا يتم ردعها قانونا، وصحافة أخرى تمارس تواصلا بلبوس إعلامي، عن طريق تغطية الأنشطة الحزبية بلغة المدح لا بلغة النقد والتحليل، وأن سلاح الإشهار يستعمل للقضاء على المقاولة الصحافية أو تطويعها.
وزاد المتحدث موضحا أن أغلب السياسيين في المغرب لا يبحثون عن صحافيين ينقلون الخبر بتجرد، أو يقومون بتحليل محايد وموضوعي للأحداث، بل يبحثون عن الصحافي الذي يؤدي دورا تواصليا تراثيا، يشبه إلى حد كبير دور «البراح»، وهذا الدور لا يحتاج إلى تكوين معرفي وتعليمي، بل يحتاج إلى صوت جهوري فقط، ينقل الخبر الرسمي عن قائد القبيلة أو الأعيان أو القاضي، ويأتي بالأخبار من الأعلى إلى الأسفل، ولا يأتي بالأخبار من الأسفل إلى الأعلى، ويتم سجن الصحافة في المغرب داخل رؤية تراثية لفاعل سياسي تقليداني يريد من الصحافي أن يبقى براحا لا رأي له.
هذا التوصيف أبدى محمد خيي، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، تحفظا عليه، لأن التنظيمات السياسية، حسب قوله، لم تعد في حاجة ماسة إلى دور الصحافي لترويج خطابها وتعبئة جمهورها، نظرا إلى أن أغلبها أصبح يتوفر على وسائل تواصل مؤسساتية، يذيع عن طريقها مواقفه، وبالتالي، لولا وجود رغبة ذاتية من طرف بعض الصحافيين الذين يقبلون بمنطق الاسترزاق، لما تمادى السياسيون في تسويق خطابهم المباشر دون نقد أو رأي.
واعتبر خيي أنه يجب طرح الأسئلة الصحيحة، وتتعلق أساسا بمعضلة «حرية التعبير»، متسائلا: « هل يتابع مدير نشر يومية «أخبار اليوم»، توفيق بوعشرين، بقانون الصحافة والنشر؟ »، مبرزا أن متابعته تمت بقانون الاتجار في البشر، وهو التكييف الذي لم يخطر على بال بشر أن يتابع به صحافي.
وأضاف خيي أنه لا يمكن أن نحاكم السياسي على اعتقال ومتابعة علي أنوزلا بسبب مقال رأي، فهناك اصطفافات أخرى غير ثنائية السياسي والصحافي، وهي ثنائية الديمقراطي والسلطوي، وهذا هو بيت القصيد، حسب قوله، لأن هناك من بين الصحافيين من لا ترفع له راية ولا يفتح فمه إلا عندما يتعلق بأولئك الذين وصفهم بـ«الحائط القصير»، كالمنتخبين والمستشارين الجماعيين، وليس عندما يتعلق الأمر بالفاعلين الأساسيين الذين يتحكمون في خيوط المشهد السياسي.

تقييد الحرية
من جهة أخرى، أبرز البلغيتي أن السياسي استعمل فضاءات القانون للقيد وللتقييد، وجعل من مدونة الصحافة والنشر قانونا مكتوبا بمداد الضبط لا بمداد الحرية، وترك فراغات يحدد فيها ما يعتبر جريمة نشر دون تحديد العقوبة، فجاءت العقوبات في القانون الجنائي، مضيفا أن السياسي لم يكتف بالقانون ساحة للمواجهة للحد من فعالية الصحافي، بل انتقل إلى مجال أخطر، وجعل من الإشهار وسيلة للتعذيب السياسي.
وكمثال على استهداف السياسي للصحافي، أشار المتحدث إلى قوانين التشريع المتعلقة بمجال الصحافة، وأخطرها المادة السابعة في قانون ولوج المعلومة، الذي هو بمثابة قنبلة كبيرة، موضحا أن السياسي لم يساعد الصحافي بتشريع قانون ضامن لولوج المعلومة، وأيضا مدونة الصحافة بقوانينها الثلاثة، والتي تنطوي على مساحات كثيرة للظل، وتكتنفها لغة مطاطة قابلة للتأويل وحمالة عدة أوجه.
وليس هذا فحسب -يضيف البلغيتي مهاجما- فالسياسي كذلك هو الذي أجاب بشكل سريالي عن اعتقال الصحافيين، وبرر اعتقالهم تبريرا تقنيا بشكل سافر، كما وقع مع علي أنوزلا، مدير موقع «لكم»، بعد نشره مقالا مهنيا مع رابط شريط فيديو، عن مدونة «سمبريرو»، ليخلص إلى أن الواقع فضاء مركب ومعقد، وضحاياه من الصحافيين، وليس «ميلشيات السياسة»، حسب تعبيره.
لكن خيي ميز بين صنفين من السياسيين والصحافيين، موضحا أن هناك أصحاب نفوذ يوظفون السياسة والمؤسسات المنتخبة، ويوظفون الإعلام والصحافة من أجل تطويع المشهد لكي يبقى خاليا من التأثير على مصالحه، وهناك سياسيون يتقاطعون مع الصحافيين في منظومة قيم الديمقراطية، ويشتغلون بشكل متناسق وإن اختلفت القناعات والتقديرات بينهم في ما يتعلق بتدبير الشأن العام.
وعن الجانب الآخر، يضيف خيي، «هناك صحافيون يشتغلون أبواقا لجهة ما ويخدمون أجندتها، ويقبلون لعب ذلك الدور»، وأضاف، بلغة أكثر وضوحا، أن «السياسي الفاسد» يلتقي مع «الصحافي الفاسد»، و«السياسي النزيه» يلتقي مع «الصحافي النزيه»، على حد وصفه، وليس مطلوبا من الصحافي النزيه أن يكون صدى وبراحا للسياسي، وإنما المطلوب، وفق رؤيته وتجربته، الالتزام بمقتضيات أخلاقيات المهنة، وتجنب الكذب والافتراءات التي لا أساس لها من الصحة.

قلق وتوجس مشروع!
عبد الصمد بنشريف، مدير قناة المغربية الإخبارية، أحد المشاركين في هذه الندوة، اعتبر أن استعارة مصطلحات تنهل من قاموس الحرب والاشتباك، لتوصيف العلاقة بين السياسي والصحافي، لها ما يبررها في السياق السياسي والبنى الاجتماعية المغربية، مضيفا أن «الصحافة ليست منتَجا مفصولا عن البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وكذلك الشأن بالنسبة إلى السياسي الذي هو ابن بيئيته ينسجم مع إيقاعها»، مشيرا إلى أن «طبيعة القوانين والاختلالات والتناقضات، وعدد من المظاهر السلبية في المجتمع، تجعل هذه التساؤلات المقلقة مشروعة».
وأبرز بنشريف أن الدول غير المستقرة ديمقراطيا ومؤسساتيا، مازالت تطرح فيها مسألة الشك والتوجس وعدم الثقة بهذه الحدة، لأن المؤسسات الإعلامية في حد ذاتها مازالت لم تراكم ولم تفرز إعلاما مستقلا بالمعنى المتعارف عليه، كما أن الإعلام العمومي، الذي عادة ما يكون عاكسا لانتظارات وانشغالات الرأي العام، وعموم المجتمع بجميع أطيافه، لم يتحقق في المغرب كما هو متحقق في الدول المتقدمة، كما أن السياسي في المغرب لم يصل إلى بلورة النموذج السياسي الذي يتعاطى مع قضايا مجتمعه، ويمارس التواصل السياسي بشكل حديث، ولديه مشروع وخطاب وتصور وحاجة ماسة إلى الحوامل الإعلامية لتسويق خطابه.
ولفت المتحدث إلى أنه في المجتمعات الهشة اقتصاديا، تكون المقاولات الصحافية هشة، ويتعرض صحافيوها لعمليات الإغراء، والسياسيون يستغلون هذا الوضع، ويحولون بعض الصحافيين إلى أداة للتوظيف السلبي، عن طريق الريع والامتيازات، ويتحول الصحافي إلى أداة طيعة في يد السياسيين الذين يصبحون نجوما في وسائل الإعلام، فيما الوضع الطبيعي يقتضي أن «يقوم السياسي بوظيفة تمثيلية وترافعية في المؤسسات المنتخبة، وأن يقوم الصحافي بالوظائف الموكلة إليه في الإخبار ونشر المعلومة للرأي العام، من أجل تجسيد دور السلطة الرابعة».
وقرع عبد الصمد بنشريف النخبة السياسية في البلد، معتبرا أنه من المفروض، بعد النضالات والتراكمات التي تحققت في المجال الحقوقي والنقابي والدستوري، أن يكون لنا سياسي ناضج، يلتزم بمواثيق وتعاقدات مفهومة، مشيرا إلى أن النخبة السياسية تحتاج إلى تأهيل سياسي من أجل أن تحكمها علاقة تكامل مع الصحافيين، بعيدا عن لغة الصراع والتطاحن، وكافة التوظيفات السلبية كالتواطؤ أو الخدمة.
وخلص مدير القناة المغربية الإخبارية، في تشخيصه واقع العلاقة بين الطرفين، إلى وجود مآخذ مشتركة، فمن جهة، هناك منتوج سياسي شعبوي هجين، يتقن فن الإثارة والفرجة واستفزاز الخصوم، ولا يقدم خطابا عقلانيا حسب ما يظهر من طريقة طرح الأسئلة وتلقي الردود في البرلمان. ومن جهة أخرى، هناك ضعف في التكوين لدى بعض الصحافيين، خصوصا العاملين في الإذاعات الخاصة، حيث تكون النقاشات دون الحد الأدنى من المعرفة المهنية والاطلاع، ويغلب عليها الابتذال والميوعة، وتعكس ضعف التكوين السياسي والمعرفي والثقافي واللغوي.

تحايل على القانون!
أما عمر الشرقاوي، الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق في المحمدية، والمحلل السياسي، فاعتبر أن الإشكال المطروح يتمثل في كيفية تدبير التوتر بين الطرفين، لأن الصراع بين الصحافة والسياسة ليس وليد اللحظة، ولن يقف في المستقبل، لأن نشأة الصحافة الوطنية في المغرب ارتبطت بنضالات الحركة الوطنية خلال فترة الحماية، من أجل مواجهة الأطروحات الاستعمارية، ولأننا أيضا «أمام فاعلين مختلفين في مصادر النفوذ، في الوظائف، في الأدوار، وفي الأهداف المتوخاة، لذلك سيستمر سوء الفهم والتوتر أحيانا، لكن يمكن تدبيره بالاحتكام إلى الأخلاق»، حسب قوله.
وانتقد الشرقاوي عدم تطبيق مقتضيات القانون في ما يتعلق بتدبير العلاقة بين السياسي والصحافي، وهو الأمر الذي يجر صحافيين إلى المحاكمات بسبب «بولميك ساذج»، مثل ما حصل في قضية نتائج لجنة تقصي الحقائق حول إفلاس صناديق التقاعد.
ويرى الشرقاوي أن هناك مجهودا في التشريع القانوني، لكن هناك إشكالا في الممارسة والتطبيق، حيث ينص الدستور على أربعة مقتضيات تتحدث عن أن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها، كما أن قانون الصحافة والنشر، الذي صوت عليه السياسيون بالإجماع، رفع 24 عقوبة حبسية عن الصحافيين كانت في الإطار القانوني السابق، وأيضا تشريع قانون المجلس الوطني للصحافة، الموكل إليه إعداد ميثاق أخلاقيات المهنة، والبت في الخلافات الخاصة وخرق أخلاقيات السلوك، لكن، مع ذلك: يبقى السؤال مطروحا: هل سيستطيع القانون تهذيب ممارسة المهنة، والحد من الأعطاب؟
في المقابل -يوضح المتحدث- هناك مآخذ على تشريعات أخرى، كما هو الشأن بالنسبة إلى قانون الوصول إلى المعلومة، «تمخض الجبل فولد قانون عذاب الوصول إلى المعلومة، حيث توسع الاستثناء وأصبح قاعدة، بشكل يعكس نزعة الضبط والمحافظة والخوف»، ليخلص الشرقاوي إلى أن القانون في المغرب يطبق بنظرية «خيوط العنكبوت»، «يدع الحشرات الكبيرة تمر، وينقض على الحشرات الصغيرة»، مشيرا إلى أن السياسي «سيجد ألف حجة للتحايل على القانون، وبالتالي، أحيانا يكون القانون دون معنى إذا لم يطَبق».

سلاح الإعلانات
من بين وسائل تصفية الصحافة الحرة بالمغرب، استعمال سلاح الإشهار والإعلانات الدعائية، حسب رشيد البلغيتي، الذي استعرض خريطة العائدات الإشهارية والإعلانات، موضحا أن تسع شركات من أصل 36 مؤسسة إعلامية تعتبر من أهم العائدات الإشهارية، في مقدمتها شركة «صورياد»، «SNRT»، «إيكو ميديا»، «Horison press»، والشركة الوطنية للاستثمار «la sit».
وأشار البلغيتي إلى وجود فاعلين سياسيين من كبار رجال الأعمال في المغرب، لهم مسؤوليات سياسية في الحكومة، ويستثمرون في مؤسسات صحافية، وليست لهم عائدات ربحية تذكر، ويطرح السؤال: لماذا يستثمر رجل أعمال ناجح في مؤسسة إعلامية لا عائد ربحي منها، على رأسهم عزيز أخنوش، وزير الفلاحة، ومولاي حفيظ العلمي، وزير التجارة والصناعة والاستثمار الرقمي؟ ليجيب بأنه عندما نعدد العناوين ما بين المجلات والجرائد والإذاعات، نجد تعددا خادعا لا يعكس تنوعا، وإذا حللنا ما يقال في الإذاعات وما يكتب في الجرائد سنجد أنه صيغ بطرق مختلفة، إلا أنه يتحدث عن الفكرة نفسها، ويعزف الإيقاع نفسه.
وأبرز أنه خلال السنة الماضية، توجهت 39,8 في المائة من الإشهار إلى التلفزة الرسمية، رغم أنها تعبر عن وجهة نظر سياسية واحدة، كما أن 29,10 في المائة ذهبت إلى Affichage، التي يسيطر عليها فاعلون اقتصاديون بخلفية سياسية غير مرئيين ولا مسؤولية سياسية لهم، لا في الحكومة ولا في البرلمان ولا في أي حزب أو منظمة نقابية، لكنهم، مع ذلك، هم أبرز السياسيين الذين يمسكون بخيوط السياسة في الواقع الفعلي، فيما ذهبت 16,7 في المائة من الإشهارات إلى الإذاعات، وبقيت 13,2 في المائة موزعة على كافة الجرائد الورقية والإلكترونية.
وخلص البلغيتي، من خلال المعطيات المذكورة آنفا، إلى أنه يراد أن يتحول كل صحافي إلى وسيلة تواصلية، وليس أن يؤدي دوره الطبيعي من خلال فسح المجال للنقاش العمومي حول ما يعتمل داخل المجتمع المغربي بكل أفكاره وآرائه، وما يساعد في رفاهية المجتمع وتقدمه وتوسيع هامش الحرية، وذلك عبر استعمال الإشهار والإعلانات لتصفية المؤسسة الإعلامية اقتصاديا، واستعمال القوانين من أجل إسكات الصحافة. هذا سؤال مهم على جميع الفاعلين بمختلف مواقعهم أن يجيبوا عنه، ومتى أجابوا عنه، حسب البلغيتي، «سيتم إيجاد حلول لمشاكل عدة».

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي