-->

الدروس التركية

26 يونيو 2018 - 14:02

في الوقت الذي يحرص فيه البعض على حصر التواصل بين المغرب وتركيا في المسلسلات المدبلجة، تأتينا تباعا دروس قيّمة في السياسة والاقتصاد والصعود الحضاري الذي يرافقه تماسك اجتماعي كبير.

الدروس الآتية من بلاد الباشاوات عنوانها العريض سقوط وهم استحالة تحقيق النهوض الشامل دون الخضوع لوصاية الخارج والتخلي عن الهوية الثقافية والحضارية الإسلامية.

أبلغ دروس التجربة التركية، التي تقف اليوم شامخة ومتحدية إملاءات الشرق والغرب، يفيد بأن البناء الداخلي مفتاح أي تقدّم، سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الدبلوماسية. تركيا التي تصارع أمواجا عاتية اليوم، تعتمد على اقتصاد داخلي قوامه التصنيع والابتكار والتخليق، الذي يفتح الباب أمام الاستثمار والمبادرة الحرة. فأردوغان، الذي يحمله الأتراك اليوم فوق أكتافهم إلى القصر الجمهوري، جاء أول الأمر حاملا شعار التخليق في الاقتصاد والترشيد في صرف المال العام.

ثاني دروس التجربة التركية أن الخيار الديمقراطي حصن منيع يحمي البلاد من تهديدات الخارج. فتركيا التي بدأت صعودها الكبير منذ أكثر من عقد من الزمن، حمت تجربتها هذه بحرص على احترام شكليات وروح الديمقراطية، وهو ما مكّن النخبة السياسية المتصدّية للتدبير من التغلّب على جميع التحديات داخليا (الجيش وجزء من القضاء)، وتكرّر معها الشيء نفسه حين أصبح التهديد خارجيا من جهات لم تعد تطيق تجاوز الحدود المتاحة لبلد مسلم في التقدم.

ثالث دروس التجربة التركية أن هذا الحصن الديمقراطي يتطلّب بشرا يتملّكه ويدافع عنه، وهو ما حدث، من خلال تركيز التجربة الأردوغانية الفوري على إصلاح وتطوير التعليم، حيث جرى، خلال الثلاث سنوات الأولى من ترؤس أردوغان الحكومة، ربط جميع المدارس بشبكة الأنترنت، وتعميم التجهيزات الحديثة عليها، ومنح أمهات الأسر المعوزة دعما ماليا مباشرا في حساباتهن البنكية، مقابل تمكين الأطفال من التعليم.

هذا الشعب التركي، الذي ذاق ثمار التنمية والحرية والكرامة، هو الذي خرج قبل سنتين بصدور عارية لمواجهة دبابات طائشة حاول قادتها إيقاف مسار الصعود الحضاري الذي حققته تركيا. هذا يعني أن النهوض لا يتم إلا بمزيد من السياسة، وليس بقتل السياسة.

الخلاصة أن الرهان، أولا وأخيرا، ينبغي أن يكون على البناء الداخلي قبل التطلّع إلى أي صعود خارجي. بناء الاقتصاد وبناء المؤسسات وبناء الإنسان. فالتحالفات والاصطفافات الإقليمية والقارية والدولية، مهما كانت قوية وعبقرية، فإنها لا تكفي لتخليص الأوطان من القيود التي تحول دون تقدمها. فتركيا ظلّت، على مدى 80 عاما، ابنا مدللا للغرب، وعضوا في حلف شمال الأطلسي، لكنها لم ترفع رأسها إلا حين قرّرت الاعتماد على قدراتها الذاتية، وشرعت في تعزيز هذه القدرات بالتعليم والتخليق والانفتاح والديمقراطية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عبد العزيز سرار منذ 5 سنوات

صدقت بمقالك القيم. حيث أن الكيان الصهيوني الإجرامي وحماته والمطبعين معه هم أخطر عامل يمنع تحقيق أي تقدم ديمقراطي حقيقي وتنموي وحضاري في البلدان العربية والإسلامية تحديدا.

التالي