ثورة الملك للشعب

16 أغسطس 2018 - 12:12

ثورة الملك والشعب مثلت أرقى درجة لالتقاء الإرادتين: الملكية والشعبية، وأفشلت كل الطرق الاستعمارية التي حاولت أن تلعب على الجهتين، لتمنع هذا الالتقاء، وتحول دون توفر شروط تحرير البلاد من المستعمر.

هذا هو الدرس المستفاد من محطة 20 غشت، والذي يعني- اليوم وغدا- أنه لا إمكان للإصلاح في المغرب بدون التقاء الإرادتين، كما يعني أن الإرادات المعاكسة للإصلاح، تسلك في سبيل الدفاع عن مصالحها نفس الأسلوب في خلق التوتر بين الإرادتين، ومنعهما من الالتقاء مجددا.

دعونا نفكر بهدوء في مشهدنا السياسي في ضوء هذا الدرس، ودون إعادة تكرار تفاصيل ما حدث بعد الاستقلال من تنازع الإرادات على الشرعية، ولنركز على عهد محمد السادس الذي حصل الإجماع فيه غير المسبوق عليه.

بدأ المسار بانتخابات 2002، وحصلت ثلاث انزياحات مست بالمسار الديمقراطي، أولاها، العدول عن المنهجية الديمقراطية في انتخابات 2002، وثانيها، خطيئة تأسيس « البام » وحاضنتها المدنية « حركة لكل الديمقراطيين »، وتدخل الإدارة لصالحه في أكثر من محطة انتخابية، وثالثها البلوكاج السياسي الذي أربك التعاقد السياسي الذي جسد الشراكة والتقاء الإرادتين، وما تلاه من إعفاء عبد الإله بنكيران وتشكيل حكومة خارج الشروط التي أملتها الإرادة الشعبية.

لنترك هذه الكبوات جانبا، ولنخاطب المستقبل بلغة تبتعد متفائلة، ولننظر إلى الآثار التي ترتبت، ومآل الديناميات التي كان ينتظر منها أن تملأ الفراغ.

سنكون غير منصفين إن قلنا إن المغرب يعيش لحظة سياسية واقتصادية واجتماعية عادية. في السياسة، لم يعد للتوازن السياسي مضمون، ولا مستقبل على الأقل في السنوات القادمة السابقة للاستحقاق الانتخابي، وما لم يتم الرهان على إدماج فاعلين سياسيين جدد، وهو أمر متعذر حاليا، فإن الخيار المطروح هو استمرارية العدالة والتنمية بوضعية أزمة داخلية، وسقف إصلاحي محدود، وطلب اجتماعي ضاغط، وعدم القدرة على تعبئة القاعدة الاجتماعية العريضة، ومخاطر على الدولة أكبر، أما الخيارات الأخرى، فقد حكمت الديناميات الأخيرة بانسداد أفقها، فضلا عن نتائجها الكارثية، فانتهى « مسار الثقة » قبل أن يثمر، ولا توجد مؤشرات تبرز الفائدة من تغيير قيادة البام.

الدولة في خطاب العرش، بقراءتها للوضعية الاقتصادية والاجتماعية، تبدو في حاجة إلى حكومة فاعلة، وأحزاب قوية، وقاعدة اجتماعية عريضة داعمة للمسار السياسي، وهي تدرك أن تحقيق هذه الرهانات شبه مستحيلة في الشروط القائمة، ويفهم من زلزال الإعفاءات، أنه يمثل خيار الضرورة، تقوم به الملكية لإعادة الثقة في السياسة.

مؤكد أن الجمهور يتفاعل إيجابا مع بعض الإعفاءات، حتى وهو لا يدرك أحيانا سببها، خاصة إذا تعلق الأمر بإعفاء سياسي يظهر مضمونه الإصلاحي، لكن، من الصعب جدا أن تتأسس السياسة وتتصحح أعطابها بهذا الخيار.

سيفهم جمهور عريض من المجتمع أن إعفاء الملك لوزير الاقتصاد والمالية يمثل ثورة الملك لفائدة الشعب، لكن الثورة التي تعيد الثقة والتوازن أيضا، وتخلق الشروط الصلبة لمواجهة التحديات، ينبغي أن تنتقل إلى إطارها المؤسسي والسياسي: ثورة للملك للانتصار للإرادة الشعبية بتصحيح أعطاب المسار الديمقراطي، وخلق شروط صلبة للتعاون بينهما، لتحرير السياسة والاقتصاد وعالم المال والإدارة والإعلام والقضاء من سطوة شبكة المركب المصلحي المعيق لترتيب آثار القرارات الملكية، والمعرقل للإصلاحات الحكومية، والمهدد لمستقبل البلاد.

الملكية تتمتع بكل المواصفات الإصلاحية، وتمتلك الصلاحيات الدستورية والإمكان السياسي الذي يوفره التقاء الإرادتين، لإنجاز هذه المهمة التاريخية، التي ستحقق في عهد محمد السادس، إجماعين غير مسبوقين، إجماع على الملك، وإجماع على تحرير الإرادة الإصلاحية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي