-->

الحلوى الملكية البرلمانية

15 أكتوبر 2018 - 14:01

هناك حكمة صينية تقول إن الصورة الواحدة تعادل ألف كلمة، وما علق في أذهان المغاربة، بعد جلسة الافتتاح الرسمي للبرلمان التي جرت مساء الجمعة الماضية، كان مشهد الأشخاص المغادرين لمقر المؤسسة التشريعية محملين بأكياس وعلب من الحلويات التي جرت العادة على تقديمها في مثل هذه المناسبات. لحسن الحظ لم يظهر أي من الوزراء أو البرلمانيين ضمن الذين خرجوا من البرلمان حاملين الحلويات «الشريفة»، لكن رمزية الصورة تظل قوية، حيث اللباس شبه «الوطني» وبوابة المؤسسة البرلمانية، جعلاها تشوّش على مضمون الجلسة والرهانات الكبيرة المرتبطة بلحظة دستورية مهمة.

الأمر في الحقيقة ليس مجرد انسياق لشبكات التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية خلف موضوع مكرر ومثير للفضول، بل إننا بالفعل أمام إشارات رمزية تكثّف واقعنا السياسي. فالحلوى «الملكية» ترتبط بالجلسة الأولى من كل سنة تشريعية، والتي تشهد حضور الملك شخصيا لإلقاء الخطاب المنصوص عليه في الدستور.

مشهد إخراج أكياس الحلويات الملكية من البرلمان استمد قوته من كونه جاء بعدما شاهد عموم المواطنين كيف أن ممثليهم انتظروا لحظة إعلان الملك رغبته في رفع الدعم الخاص بالأحزاب ليصفقوا بحرارة، ذلك أن للأمرين ارتباطا في الذهنية الجماعية بعطاء الملك. والحقيقة أن الرفع من الدعم العمومي المخصص للأحزاب السياسية أمر إيجابي. وبعيدا عن أي نزعة شعبوية أو عدمية، لا بد من القول إن الدعم العمومي الموجه للأحزاب السياسية ضروري لتخليق العمل السياسي والانتخابات، عكس ما يمكن أن يتبادر إلى الأذهان، لأنه يرفع من قدرة المناضل الحزبي العادي على خوض التنافس السياسي في مواجهة «مول الشكارة»، خاصة إذا رافقه تقليص للمبالغ المالية التي يمكن للمرشحين صرفها خلال الحملات الانتخابية، وهو ما يقلل من تأثير المال في العملية السياسية.

خطوة الرفع من الدعم المواجه للأحزاب ستكون مقدمة لإعادة الاعتبار إلى السياسة والسياسيين، إذا رافقتها خطوات أخرى، مثل احترام وتحصين استقلالية القرار الحزبي، وتفعيل المقتضى الدستوري الخاص بجعل الاختيار الديمقراطي أحد الثوابت الوطنية، وتشكيل الحكومات بطريقة طبيعية وبناء على ما تفرزه الإرادة الشعبية، والقطع مع الممارسات التي جعلت الملك يشعر بالحرج حين جاءه رئيس الحكومة بمرشحين لتولي حقيبة المالية بالنيابة بعد إقالته بوسعيد، واحد من حزبه وآخر من حزب آخر، حيث قال للعثماني، حسب ما رواه هذا الأخير، إنه إذا اختار الوزير المنتمي إلى حزب معين، فإن البعض سيقول إن الاختيار وقع عليه لانتمائه إلى حزب الملك.

إعادة الاعتبار إلى السياسة والسياسيين، وفتح ورش بناء جسور جديدة بين الدولة والمواطن، واستعادة دور الوساطة الذي يفترض أن تقوم به الأحزاب السياسية، قد تبتدئ برفع الدعم العمومي للأحزاب السياسية؛ لكنّها لن تكتمل إلا بإعطاء معنى للفعل السياسي وجدوى للعملية الانتخابية. لا يمكن أن تستعيد الأحزاب السياسية دور الواقي من الصدمات بالنسبة إلى الدولة، فيما يستمرّ تقزيم دورها ودور المؤسسات التي ينتخبها المواطنون، وجلّ الأحزاب السياسية الممثلة اليوم في البرلمان تعرّض للتخريب والإضعاف وضرب المصداقية، بعضها بعوامل داخلية وأغلبها بتدخلات خارجية.

إن افتتاح البرلمان هذه السنة يصادف لحظة سياسية شديدة الحساسية، يتصاعد فيها الاحتقان الاجتماعي، ويرافقه ترهّل سياسي ومؤسساتي، وهو ما يعني الحاجة الماسة إلى عرض إصلاحي جديد يعيد الثقة ويعبئ الطاقات في اتجاه الخروج من المأزق. لكن كثافة الصور والرموز التي صدرت عن الجلسة الدستورية لافتتاح السنة التشريعية، تجعل المتتبع يتذكّر كيف أن مؤسسة البرلمان ظهرت أول مرة قبل تسعة قرون في بريطانيا لفرض الرقابة المالية على الملك. وفي الوقت الذي يكاد يحصل فيه الإجماع على أن السبيل الوحيد لتحقيق الديمقراطية في نظام حكم وراثي هو الانتقال التدريجي نحو الملكية البرلمانية، نجد أنفسنا أمام برلمان يصفق لإعلان الملك تقديم مزيد من الأموال للأحزاب السياسية التي يفترض أنها تحوز عبر برلمانييها سلطة المصادقة على ميزانية الدولة، بما فيها ميزانية الملك. وباستحضار مشهد الحلويات الملكية التي خرجت من الباب الخلفي للبرلمان، نكون في الحقيقة أمام إنتاج شكل جديد من الأنظمة السياسية لم تعرفه العلوم السياسية حتى الآن، هو نظام الحلوى الملكية البرلمانية.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي