-->

الرئيس المنتشي

21 مايو 2019 - 12:28

((عندما لا يرضينا الواقع ندمن الخيال))

بقدر ما كان السيد رئيس الحكومة منتشيا، وهو يقدم حصيلة حكومته أمام ممثلي الأمة، بقدر ما كان المواطن يشعر بالاستفزاز. واقع معيش كارثي، ورئيس حكومة، وهو في قمة الانتشاء على هذا الوضع.

فالسيد رئيس الحكومة المحترم، ظل يوزع الابتسامات ونظرات السرور يمنة ويسرة على برلمانيي الأمة، وهو جد متأكد من إنجازاته، كأن الرجل أنقذ العالم من هلاك وشيك، لدرجة أن الانتشاء جعله ينسى التاريخ، بل يستغبي المواطنين، وينسب كل الأعمال وكل الأوراش الموجودة في المغرب إلى حكومته، رغم أن ملك البلاد هو منْ أمر بأداء مبالغ الضريبة على القيمة المضافة، ودعا إلى خارطة طريق دقيقة لقطاع التكوين المهني، والقيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية، كما طالب بالإسراع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار، وبتفعيل إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، والتعجيل بإصدار ميثاق اللاتمركز الإداري داخل أجل لا يتعدى نهاية شهر أكتوبر، وغيرها من القرارات الملكية الدقيقة وفي مجالات مفصلة، ومع ذلك نسب السيد الرئيس المنتشي كل هذه الملفات إلى حكومته، بل حتى برنامج صناعة السيارات، الذي جاءت به حكومة جطو من قبل، وغيرها من الملفات والقرارات التي أمر بها الآخرون، والرئيس المنتشي نسبها إلى عبقريته.

لقد كان رئيس الحكومة جد سعيد، وهو يتحدث عن منجزات حكومة سحرية، في بلاد سعيدة، وعن شعب أتخمته المنجزات، متناسيا أن البلاد ومنذ اعتلاء جلالة الملك العرش، دخلت في أوراش مهيكلة كبرى، كميناء المتوسط، والرفع من وتيرة الطريق السيار، وإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، وقطار « البُراق » وغيرها من الأوراش الشاهدة على نفسها، والتي لمسها المواطن عن قرب. بينما منذ 2011، ماذا فعل المنتشون سوى توزيع الوعود السياسية يمينا ويسارا. والأخطر من ذلك هو اعتقادهم أن استقرار البلد متوقف على حضورهم، وكأن المغرب وُجِد بوجودهم، وتألق بحضورهم.

إن الرئيس المنتشي لم يستطع أن يقول الحقيقة، على الأقل لنفسه. الحقيقة الساطعة في حجم الإضرابات والمظاهرات اليومية بالشوارع، حقيقة فشله في تمرير قانون ساهم في وضعه داخل الحكومة وفشل في تمريره داخل البرلمان، حقيقة الركود الاقتصادي الخطير، حقيقة الاحتقان الاجتماعي والحقوقي الذي سار يكبل سير المغرب، حقيقة متابعة الصحافيين واعتقالهم، حقيقة متابعة رفيق دربه في السياسة والحزب، وحقيقة سجن شباب في عمر الزهور احتجوا بالريف، ولم يقدم لهم إلى حدود الآن، أي جواب عن مطالبهم التنموية، وكأن الأمر لا يهمه إلا أمنيا.

لقد انتظرنا من السيد الرئيس المنتشي أن يحدثنا عن الصورة الحقوقية السوداوية التي باتت لبلدنا في مختلف التقارير الدولية والأممية، وعن ضعف الاستثمار، وعن انفجار الوضع الاجتماعي، وانهيار خدمات الصحة والتعليم، وعن أغلبية مفككة تتطاير شذرات صراعاتها يوميا، بينما هو يردد أن لا خلاف وسطها، رغم أن الجميع يعلم أن رؤوسا يانعة داخلها ويعجز حتى عن الإشارة إليها، فبالأحرى قطفها، فقط السيد الرئيس المنتشي يسر على العمل بمقولة (لا بأس بشيء من الخيال طالما أنه سيُشعرنا بالسعادة).

انتشاء السيد الرئيس لا يثير فقط الغضب، ولكن كان يثير الشفقة كذلك؛ شفقة المفارقة الصارخة بين الخطابات والواقع المعيش، بين حياة المواطن وحكومة فاقدة للبوصلة، تعيش كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمل، وكان الجهد الوحيد الذي قام به السيد الرئيس المنتشي، هو عبء قراءة تلك الأوراق التي كُتِبت له.

فيكفينا انتشاؤك السيد الرئيس، وانتشاء رفاقك في البرلمان، انتشاء عكسه حجم تصفيقهم بحرارة، فأدركت حينها أن التصفيق لم يعد « مكروها » في الإسلام. ألم تقولوا إن سلفنا الصالح إذا أعجبهم شيء كانوا « يُكبّرون أو يُسبّحون » ولا يصفقون، بل لم يعد يرددون مع المتشددين « أن التصفيق حرامٌ لأنه من أعمال المشركين والجاهلية »، فكل ذلك لا يهم، لكن المهم هو انتشاؤكم، أما أمور الدولة التي تسيرها الحكومة، فلا عليكم. فالمواطنون يكفيهم انتشاؤكم، وأما الوطن في نظركم، فيكفيه الانتشاء، وليس الكثير من العمل والبكاء.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي