-->

فسحة الصيف.. هكذا تنحى نجيب وأمسى بكائي نحيبا بعد تعيين شاه مسعود- الحلقة 13

29 أغسطس 2020 - 07:30

الملا عبد السلام ضعيف، رجل من رجالات الصف الأول في أفغانستان، وأحد الذين شاركوا في المفاوضات التي أددت إلى نشوء حركة طالبان، كان صوتا إعلاميا للزعيم الروحي لهذه الحركة الملا محمد عمر. مذكرات كتبها ضعيف بيده، وقال فيها كل شيء، باح بما له وما عليه: نشأته ودراسته في المدارس الدينية، ودوره في صد الحرب السوفياتية على أفغانستان. كشف خفايا علاقته بطالبان ما خبره من مفاوضات سرية وعلنية، داخلية وخارجية، وأسرار تقلبه في المناصب المتعددة التي تبوأها ومنها نائبٌ لوزير الدفاع ونائبٌ لوزير المناجم والصناعة. هنا في هذه المذكرات المثيرة، سيكشف الملا ضعيف، عن طبيعة العلاقة مع الأميركيين، وما يدور في ميدان المعارك، وخلف الكواليس السياسيّة من صفقات وأسرار. دوره منذ أحداث 11 شتنبر التي قلبت حياته وحياة بلده، وبعدها، حين كان صلة الوصل الوحيدة بين أفغانستان والعالم. قبل أن يصبح السجين رقم 306، في سجن غوانتانامو.

@ إعداد : عادل الكرموسي

أطل الرئيس نجيب الله على أثير الإذاعات يتحدث عن السلام والأخوة، كما استشهد بآيات من القرآن الكريم وبأحاديث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكانت رؤيته للمصالحة مسامحة لا مصالحة حقيقية. كان علينا نسيان ما حدث وما حدث من قتال واشتباك من ذاكرتنا. قال: لم تفعلوا شيئا ولا أنا أيضا. كما دعا الأطراف كافة للانضمام إليه لتشكيل الحكومة معا. كان لما قاله معنى، ولكن كنا نعلم أنه ضعيف، وأن حكومته لم تمتلك القوة أو الدعم لتدوم.

خففت حركة طالبان عملياتها بعد أن خرج الروس من قندهار. وكثيرون مثلي عادوا إلى دراساتهم الدينية، فيما هم يقودون بعض العمليات ضد الشيوعيين في المناطق النائية. تابعت والكثير من المجاهدين تعليم القرويين وطلاب الدين في نلغام. ولكن سرعان ما قررنا الاستقرار في مكان آخر. فالقرية بعيدة عن الطريق الأساسية، وأخبار الحكومة تستغرق أياما لتصلنا. انتقلنا إلى قرية الحوز بمضاة، وهي قرية على الطريق السريع تقع فوق قرية وزير كلاباساو. وبدأنا العمل هناك. أقمت في الموقع الذي اخترناه للبناء. وساعدته في بناء المخيم بأبراجه الأربعة، انتقلنا جميعنا من نلغام إلى مقرنا الجديد الذي كان يشبه المدرسة. في ذلك الحين، كنا نملك عربتين، فأجرنا الجرار الزراعي لتغطية كلفة البناء والمواد الغذائية.

 عقدت قيادة طالبان اجتماعا في صومعة الحبوب بقندهار. هذا المبنى الذي لا يزال قائما على المشارف الغربية للمدينة، مليء بفجوات سببتها الصواريخ وقذائف الهاون.

واجتمع القادة الأبرز ليناقشوا كيفية اقتسام المدينة بين طالبان والمجاهدين الآخرين، بعد أن غادرها الروس. وفيما كانوا مجتمعين، اتجهت مجموعات أخرى من المجاهدين إلى قندهار، فالقادة الذين اصطفوا مع حكومة نجيب الله قرروا إقصاء طالبان عن الإدارة الجديدة.

قسموا إذن المدينة، وفيما كان قادة طالبان مجتمعين في صومعة الحبوب يتباحثون فيما قد يحدث لاحقا، تمركز القادة في المدينة. كنت عائدا على دراجتي من الصومعة، حين رأيت عشرات الرجال المسلحين على الحواجز يدخلون المدينة، فعدت مسرعا وقاطعت الاجتماع وقلت للقادة فيما أنتم منشغلون هنا والحلفاء يحتلون المدينة، لم يلاحظ أحد هذا التعدي الخفي، ولكن كان الوقت قد فات حين غادر القادة الصومعة باتجاه المدينة.

 شنت طالبان عمليات عسكرية كثيرة ضد الروس، فهي تشكل ركنا أساسيا من أركان الجهاد، والكثير من أتباعها ضحوا بحياتهم وحافظوا على حياة الآلاف، لكننا تعرضنا للخيانة، ولم يبق تحت سيطرتنا سوى ثكنات العائلة الروسية خارج المطار بسبب المرحوم الحاجي. مع ذلك، فإننا لم نستمر في القتال وعدنا إلى داره لمتابعة دروسه، واكتفينا بتمكننا من طرد الروس من أفغانستان.

سيطرت أحزاب المجاهدين على أفغانستان كلها. أجبر نجيب الله على الاستقالة، ولجأ إلى مجمع الأمم المتحدة في كابول بتاريخ 16 أبريل 1992. وبعد أسبوعين، شكل جهاز الاستخبارات في بيشاور حكومة انتقالية ترأسها صبغة الله مجددي لشهرين.

وذات يوم، كنت أستمع إلى إذاعة في كابول، هذه الإذاعة نفسها التي اتهمت سابقا مجددي بأنه خادم لجهاز الاستخبارات وللولايات المتحدة، فدهشت لما سمعته!!، كان ما سمعته تسجيلا لمجددي وقد شرح المراسل في مقدمة ما حدث: سيادة الأستاذ صبغة الله مجددي، قائد « جبهة ملي » ورئيس حكومة أفغانستان الإسلامية… وعلى صوت المذيع، كانت تلك اللحظة من أسعد لحظات حياتي، اختبرت لحظات سعادة كثيرة: رأيت مكة والكعبة في زيارة الحج عام 1989، تزوجت واختبرت متعة التعلم والمعرفة،

تمتعت بنعمة حفظ القرآن باللغة العربية، وتوليت في ما بعد منصبا بالحكومة. لكن ما من شيء يضاهي فرحتي في ذلك النهار، في وقت شعرت فيه بسعادتي الغامرة، في أن شعبي سينال أخيرا مطالبه، وأن تضحيتنا ومعاناتنا ومحاولاتنا لم تذهب سدا. أذكر أن كل تلك الأفكار دارت في رأسي وأنا أستمع إلى البث، لكن خطبة مجددي حملت الخيبة تلو الأخرى. أعلن أن القائد أحمد شاه مسعود سيتولى منصب وزير الدفاع، ومسعود متحدر من شمال غرب العاصمة. قد يجد أي شخص في هذا التعيين مصدرا محتملا للنزاع، أما أنا فلم أستطع أن أفهم كيف لمجددي أن يولي وزارة الدفاع لقائد على مستوى محافظة، بينما ترأس الحكومة شهرين فقط.

لماذا عين مسعود؟ لماذا اتخذ قرارا كهذا؟ علمت أن السيد مجددي كان قائدا جهاديا حارب بنفسه ضد الروس والسوفيات، لقد عانى وضحى باسم الله، فلماذا أقدم على خطوة قد تزيد المعاناة!!؟.

ماذا كان يدور في خلده؟ وفي لحظة، فرت سعادتي وأصبحت عيناي حمراوين من شدة البكاء، وانهمرت الدموع على وجنتي وأمسى بكائي نحيبا.

 

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي