التامك يصدم المؤسسات من جديد.. هجومه ضد البرلمان يثير موجة غضب سياسي وحقوقي

10 سبتمبر 2020 - 20:00

أثار رد المندوبية العامة للسجون على وجود سؤال برلمانيين وجه إلى رئيس الحكومة بشأن موضوع معتقلي حراك الريف الذين كانوا يخوضون إضرابا عن الطعام، جدلا واسعا حول مشروعيته.

وفي هذا الصدد، أوضح عبدالعلي حامي الدين، أستاذ القانون الدستوري، أن البرلمانيين مارسوا دورهم الرقابي انطلاقا من مقتضيات الدستور التي يحددها الفصل 100، وانطلاقا من مقتضيات النظام الداخلي، مضيفا أن سؤالهم كان موجها لرئيس الحكومة باعتباره الوصي على مؤسسة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في موضوع يتعلق بحماية الحق في الحياة، مشيرا إلى أن رئيس الحكومة ملزم بالجواب خلال العشرين يوما الموالية لتاريخ إحالة السؤال عليه.

وأفاد حامي الدين في اتصال مع « أخبار اليوم » أن المندوب العام، ومن خلال مديرية سلامة السجناء، اختار الرد الإعلامي على هذا السؤال بطريقة مخالفة للقانون والدستور، وكان عليه أن يرسل جوابه كتابة عن طريق السلم الإداري إلى رئيس الحكومة، إذا طلب منه ذلك، وإلا فإن المخول بالجواب عن سؤال البرلمانيين من الناحية الدستورية هو رئيس الحكومة، عن طريق جواب كتابي يوجهه إلى رئيس مجلس النواب الذي يوجهه بدوره إلى واضعي السؤال، ولا حق لأي كان أن ينوب عنه في هذا الدور.

وتابع أستاذ القانون الدستوري أن البلاغ المذكور برر صدوره بأن المندوبية لم تتوصل بأي كتاب رسمي في الموضوع، وعاب على البرلمانيين ذلك، كما اعتبر تقديمهم لسؤال كتابي في موضوع الإضراب عن الطعام لبعض معتقلي الريف فيه « انحراف عن الطرق المعمول بها في العمل المؤسساتي »، معتبرا أن الانحراف الكبير هو الذي وقع فيه صاحب البلاغ الذي عبر عن جهل بقواعد الممارسة البرلمانية المحددة دستوريا، وتطاول على اختصاصات رئيس الحكومة وتجرؤ على الدور الرقابي للبرلمانيين وعبر عن نظرة احتقارية لمؤسسة البرلمان، مشيرا إلى أن اللجنة المعنية، وهي لجنة العدل والتشريع بإمكانها استدعاء المندوب العام واستفساره بحضور الحكومة عن سياسته في القطاع بما فيها سياسته التواصلية المسيئة لمؤسسة البرلمان.

ووجهت البرلمانية أمينة ماء العينين انتقادها لرد مندوبية السجون، معتبرة أنه تطاول على المؤسسة الدستورية، في حين أن السؤال واضح وموجه بالأساس إلى رئيس الحكومة وليس إلى موظفيها، وأن تسريب سؤال كتابي ممارسة عادية في العالم كله، موضحة أن تدخل مندوبية السجون في عمل البرلمان إساءة إلى العمل المؤسساتي.

وأفادت ماء العينين، التي كانت ضمن الموقعين على السؤال الكتابي الموجه لرئيس الحكومة أن هذه ليست أول مرة يتطاول فيها المدير العام للإدارة العامة لمندوبية السجون على مؤسسة دستورية من حجم البرلمان، حيث كان قد أصدر بلاغا تجرأ فيه على تقريع نائب برلماني مارس مهامه في الجلسة العامة للبرلمان، في إطار الحصانة الممنوحة له دستوريا في التعبير عن رأيه، وفي نقذه لبعض الممارسات التي يعتبرها غير مناسبة داخل المؤسسة السجنية، وكان فريق العدالة والتنمية قد أصدر بلاغا رسميا رد فيه على المندوب العام رافضا هذا التطاول على المؤسسة الدستورية، معتبرة أن تصرفات رئيس المندوبية أصبحت سلوكا منهجيا الهدف منه أن يجعل نفسه فوق كل المؤسسات.

وأوضحت البرلمانية ماء العينين في اتصالها مع « أخبار اليوم » أن البرلمانيين في إطار مهامهم الرقابية الدستورية ينتقدون الوزراء والحكومة والمؤسسات، وأن الجميع في إطار احترامه للدستور وفهمه لاختصاصات البرلمان، إذ لم يسبق أن كان هناك جواب فيه تطاول أو تجرؤ كما يقوم به المندوب العام لإدارة السجون، وهو أمر غير مقبول.

وأفادت المتحدثة أن الفريق البرلماني لم يتوجه بسؤاله أصلا لإدارة السجون، مشددة على أن البرلمان بوصفه مؤسسة دستورية لا يخاطب الموظفين، مشيرة إلى أن البرلمان يخاطب رئيس الحكومة أو الوزراء، ومن الطبيعي ألا يتوصل المندوب العام بأي كتاب من البرلمانيين، مؤكدة أن البرلمانيين لا يبحثون عن تفاصيل عمل رئيس الحكومة وموظفيه، مستغربة السلوكيات بالمتكررة لأحد موظفي الدولة الذي وصفته بأنه يريد أن يجعل نفسه فوق الجميع، معقبة أنه بقي فقط أن يحمل المندوب السامي لإدارة السجون السياط في وجه البرلمانيين، من كثرة البلاغات التي أصدرها في حق البرلمانيين، متابعة أن ما اعتبره المندوب انحرافا، هو ممارسة عادية في العالم كله، خصوصا أن السؤال الذي طرح على رئيس الحكومة استوفى كافة الشكليات القانونية داخل المؤسسة، وله رقم إرسال، مفيدة أن النواب البرلمانيين ينشرون مبادراتهم الرقابية في إطار التواصل مع من يمثلونهم من عموم الشعب، ونشر وتسريب الأسئلة الكتابية للبرلمانيين ممارسة عادية في العالم كله، مقترحة من قبيل التهكم أن يضع المندوب العام دليلا جديدا للممارسة البرلمانية، ويضمنه القواعد التي لا يعتبرها انحرافا ويضعه أمام البرلمانيين.

واعتبرت المتحدثة أن ما قام به المندوب السامي لإدارة السجون هو إساءة للعمل المؤسساتي، موضحة أن الكل يعمل على الرفع من قيمة العمل المؤسساتي، وأن البرلمانيين يعرفون قيمتهم جيدا، ولم يخرقوا أية ضوابط، موجهة له الدعوة إلى مراجعة أسلوبه ومنهجيته، تفاديا لإعطاء صورة سيئة لصراع المؤسسات.

وكان الخبير الحقوقي والباحث في العلوم السياسية، عزيز إدامين، قد انتقد بلاغ مندوبية التامك على السؤوال الكتابي الموجه لرئيس الحكومة بخصوص إضراب معتقلي حراك الريف عن الطعام، بأنه غير دستوري وغير قانوني ويضرب بعرض الحائط المؤسسة البرلمانية ويتجاوز رئيس الحكومة.

وأوضح إدامين في تدوينة له على حائطه بالفيسبوك، أن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أقرت في بلاغها أنها لم تتوصل بأي كتاب رسمي في موضوع إضراب معتقلي الريف، بعد السؤال الكتابي الذي تقدم به نواب برلمانيون عن فريق حزب العدالة والتنمية موجه إلى رئيس الحكومة، مشيرة إلى أنها اطلعت على الوثيقة الموجهة من طرف النواب المذكورين على مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة الإلكترونية، وأنها شرعت في تقريع نواب البرلمان، موضحا أنه يحق للمندوبية العامة أن ترد كما تشاء وتقول ما تشاء، ولكن في إطار القانون والمساطر وضمن اختصاصاتها.

وفصل الباحث في العلوم السياسية أنه لا يمكن للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج أن تجيب عن سؤال برلماني ما لم تتوصل به من رئاسة الحكومة، موضحا أن هناك مؤسسات توجد تحت وصاية وإشراف رئيس الحكومة، وبما أن البرلمان يراقب الحكومة، فعندما يتعلق الأمر بمؤسسة من هذا القبيل، يوجه السؤال الشفوي أو الكتابي إلى رئيس الحكومة، وهذا الأخير يقوم بإحالته على المؤسسة المعنية، هذه الأخيرة تعد جوابها وترسله كتابة إلى رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة يوقعه ويحليه على البرلمان إذا كان سؤال كتابيا، وإذا كان شفويا يحيله على الوزير المعني، وغالبا يكون الوزير المعني بالعلاقات مع البرلمان.

إذن، يستنتج إدامين، أن بلاغ المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، خارج إطار القانون والدستور، ويتعسف على اختصاصات رئاسة الحكومة ويصغر من قيمة المؤسسة البرلمانية.

وأضاف الخبير الحقوقي أن المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج دأبت دائما على طرح موضوعات في بلاغاتها تتجاوز اختصاصاتها، فأحيانا تحل محل سلطة الاتهام ودور النيابة العامة، وأحيانا دور وزارة الداخلية، وأحيانا أخرى دور الاستخبارات الخارجية، وأحيانا أيضا دور الطب الشرعي ووزارة الصحة ودور المجلس الحقوقي كذلك، مفصلا أنه في جواب المندوبية، توجد حجج من قبيل « التعبئة الكاملة ملكا وشعبا وحكومة ضد وباء كورونا، التي يؤدي يومياً ثمنها أرواح العشرات من المواطنين »، متسائلا عن محل هذا الموضوع ضمن اختصاصات المندوبية، لأن في طياته يقول إن مبادرة فريق العدالة والتنمية بطرح السؤال، تشوش على المجهود الملكي والحكومي والشعبي، وأن أي تزايد في عدد الإصابات بالكوفيد 19 سيكون بسبب هذا السؤال، وهنا تصبح المندوبية تمارس السياسة وليس التدبير الإداري فقط .

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطن منذ 3 سنوات

عندما تكون الثقافة-العقلية المخزنية متحكمة ("مخززة") في شخص ما، لا عجب أن يتعامل بإزدراء و تعالي مع كل ما هو مؤسساتي.

التالي