-->

ابو حفص يكتب :مراجعات لا تراجعات (الحلقة13)

07 يوليو 2015 - 00:30

محنتي مع المداخلة

لم يتوقف الأمر عند ذلك، اصطحبني بعض معارفي الجدد لزيارة ربيع المدخلي،صحيح أن الرجل لم يقنعني يوما ولا رأيت فيه ما يعجبني، ولا آمنت يوما بمسلكه العنفي في الردود ، ولا اعتبرته يوما ممن يرجع لهم في أي علم من العلوم ، بما في ذلك علم مصطلح الحديث، لكنني وجدت نفسي لا شعوريا بحكم سعيي لحصولي على موقع في انتمائي الجديد، مجبرا على الولاء للرجل الذي كانت موالاته في ذلك الوقت شرطا أساسيا لتحصل على ختم السلفية وتستحق الرضا والعطف المولوي من سدنة المنهج.
رغم أني لم أقتنع يوما بمنهج ربيع ولا عنفه ضد المخالفين، خاصة أن بعض من تناولهم بالرد كانت لهم مكانة في قلبي، ولم ينفع خلافي معهم الجديد في تقبل وصفهم بتلك الأوصاف الشنيعة والغليظة، فقد تأثرت في مراحل من عمري بسيد قطب وأخيه محمد قطب، وكتاباتهما المازجة بين الإخوانية والجهادية، كما أنني وصلت الجامعة الإسلامية وأنا لا زلت منبهرا بالحركة السرورية ، والتي رأيت فيها جمعا بين سلفية العقيدة وجهادية الفكر وإخوانية الحركة، وكنت مغرما بسلسلة الغرباء التي ألفها الشيخ سلمان العودة وحريصا على اقتناء كل سلسلاته المسموعة، وبشكل أقل منه الشيخ سفر الحوالي وكتاباته عن العلمانية والإرجاء، فلم أستسغ وصف هؤلاء بالمروق عن الدين والخارجية وكل البدع المغلظة، خاصة بعد ما سمعته من الشيخ الألباني في حق هؤلاء من مدح وإنصاف، وما كتبه بكر أبو زيد في كتابه الجميل (تصنيف الناس بين الظن واليقين).

توطدت علاقتي بالتيار المدخلي والذي كان مع التيار المغراوي عملة واحدة ، يمدح بعضهم بعضا ويثني بعضهم على بعض قبل قوع الافتراق والانشقاق سنوات بعد ذلك، فكان الشيخ المغراوي يحل ضيفا على ربيع بالمدينة، فكان يحل ضيفا على بيتي بحكم العلاقات الجديدة التي ربطتها بطلبته والمقربين منه، مما وتر العلاقة بيني وبين والدي الذي كان لا يرى في هؤلاء إلا مجرد مخبرين باسم الدين والعلم، لكنني لم آبه بذلك لأنني من ناحية كنت مقتنعا بجزء كبير من الطرح، وكنت لا أقبل المساومة فيما أراه حقا، حتى لو استجلب لي غضب العالمين، ومن ناحية أخرى، كان هذا الاختيار هو الذي يضمن لي الاستمرار في الدراسة بالجامعة، ذلك أن التيار المدخلي كان مسيطرا على تسيير الجامعة وإدارتها، وكان يمارس سياسة إرهابية في ردع كل مخالف متهم بالحزبية، ويعنون بها عدم الولاء للسلفية المدخلية والنظام القائم، وكان مصير كل رأي مخالف الطرد في أخف الأحوال إن لم يتعرض المعني لما هو أعظم وأشد، وكان لهم من الطلبة جواسيس معروفون وغير معروفين، يكفي أن يرفع الواحد منهم قلمه فيبسمل ويحمدل ثم يكتب : أما بعد ، فإن الطالب فلان الفلاني ليس على المنهج السلفي أو له علاقة بالحزبيين أو يكثر سواد المبتدعة، ولا يحتاج للتفصيل في الموضوع ليصدر قرار الطرد أو الاستدعاء للمثول أمام المجلس التأديبي.

كانت هذه الأجواء الإرهابية هي بداية الاصطدام بيني وبين التيار المدخلي ومعه التيار المغراوي تبعا، فقد كنت مستعدا للاقتناع بأي شيء أومن به وأدين به، لكنني لم أكن مستعدا لممارسة التقية وإظهار ما لا أبطن، فبدأت أظهر بعض التناقضات التي لمستها خلال سنتين من الالتزام بهذا الاختيار، خاصة في التعامل مع التيار السروري واستغلال أمواله مع التشنيع عليه في الجلسات الخاصة، مما أحدث لي نفورا من هذه المسالك اللاأخلاقية.
ومما سيزيدني بعدا عن هؤلاء، العلاقة الجميلة التي بنيتها مع أحد أساتذتي ومشايخي، وهو الشيخ محمد المختار الشنقيطي، الفقيه والأصولي البارع، والذي لازمته لثلاث سنوات كاملة، وكنت أقارن بين ما عليه من أدب بالغ ، وخلق سمح كريم، وما كان يربينا عليه من حسن التعامل مع الغير، وبين ما في المدرسة الأخرى من التربية على سوء الخلق واحتقار الغير وعدم معرفة حقوقهم، فكان ذلك يزيدني عنهم بعدا وإدبارا.
لم تكن هذه الصدمات كافية لإعلان أي طلاق بيني وبين المنهج السلفي، الذي أشربت أصوله ومعالمه من خلال دروسي بالجامعة والمسجد النبوي والأشرطة والكتب التي تبنيت غالب ما فيها، لكنها كانت كافية لإعلان الطلاق بيني وبين المنهج المدخلي الذي لم أجد نفسي يوما منسجما مع أجوائه وبروتوكلاته، فأعلنت حربي رفقة بعض زملائي في الدراسة على هذا المنهج ورءوسه وأتباعه، مبرزا ما وقفت عليه من تناقضات خلال سنتين، بل امتد نفوري ليشمل تلاميذ الألباني وقد وقفت على كثير من التدليس والسرقات العلمية الواقعة في كتبهم، مفرقا بين الألباني وتلاميذه الذين أدخلوه في معارك كان غنيا عنها، وفرضوا عليه أجواء لم تكن تليق بمكانته ولا منزلته.
هكذا كان الطلاق بيني وبين المداخلة، ولقد نجوت بجلدي فنلت شهادة الإجازة من كلية الشريعة ولم أتعرض للطرد كما كان مصير من قبلي، لكنني كنت مرشحا بامتياز لاستكمال دراساتي العليا بنفس الجامعة، بفضل تفوقي الدائم وحصولي في كل سنة على معدل يتجاوز التسعين في المائة، لكن تمردي كان سببا في أن تنتهي قصتي بالمدينة المنورة، ولأدشن مسارا جديدا ومختلفا.

في الحلقة القادمة: في أحضان التيارات الجهادية من جديد.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

جميل منذ 8 سنوات

وشهد شاهد من اهلها

التالي