-->

السيكتور: ما يضحكني هي التفاصيل البسيطة التي لا ينتبه إليها أحد

30 أغسطس 2015 - 03:00

عبد القادر السيكتور من الفنانين الجزائريين الذين فرضوا أنفسهم على الساحة الفكاهية، سواء هنا في المغرب أم في فرنسا، وهو يعتمد في أعماله على تلك التفاصيل اليومية البسيطة التي يهملها الآخرون. في هذا الحوار، يعود إلى بداياته ويكشف لـ « اليوم24» أسرار فنه الفكاهي

 قدمت مؤخرا عرضك بمدينة أكادير، ليست المرة الأولى؟.

 هي المرة الثانية، إذ قدمت عرضي «حياة كلب» (vie de chien) قبل سنتين.

قدمت مؤخرا عرضك الفكاهي تحت عنوان «العرض الجديد» لِم لَم تحدد له أي اسم؟

الجهة المنتجة للعمل طلبت مني عنوانا واحدا للعرض باللغتين العربية والفرنسية، فاقترحت عليها ثلاثة عناوين، منها «عبد القادر الموسطاش وخوتو سطاش»، الذي كان العنوان الأكثر تناسبا وموضوع العرض الذي يخص ملامح كثيرة من طفولتي التي كانت قاسية جدا، وارتباطي بإخوتي (عددهم كثير) ولمَ أحتفظ إلى اليوم بالشارب «الموسطاش» ولا أحلقه. هذا العنوان كانت ترجمته إلى الفرنسية طويلة وغير جاذبة، فاخترنا في النهاية عدم اعتماد أي عنوان وتسمية العرض بـ»العرض الجديد».

  ذكرت طفولتك، أين عشتها تحديدا؟

  بولاية تلمسان بالجزائر، وتحديدا بمنطقة غزوات، وهي منطقة لا تبعد عن الحدود المغربية سوى بأقل من 25 كلم.

  تسرد في أحد عروضك سبب احتفاظك الدائم بشعر شاربك «الموسطاش»، هل وراء ذلك حكاية حقيقية؟

  أجل، بالنسبة إلي أحتفظ بالشارب تلبية لرغبة والدي رحمه الله، الذي طلب مني ذلك، على اعتبار أنني الوحيد الذي أشبهه بنسبة 90 في المائة، وقال لي إنه يريد أن يراه إخوتي في ملامحي. ففعلت إكراما له لأني أقدره كثيرا. واستثمرت ذلك اليوم في عملي الفني على نحو فكاهي.

  غير ما تحتفظ به ذاكرة الطفولة لديك، من أين تستمد أفكار ما تقدمه؟

  أستفيد كثيرا من تجارب الآخرين، وأحكي بلسانهم ما يعيشونه في قوالب كوميدية. ولا أتحدث بلسان الغائب حين أسرد ذلك، وإنما ألبس شخصياتهم، حتى أستطيع التمكن أكثر من كل شخصية على حدة وتقديم كل ما أريد وأطوره.

 أنت تضحك الآلاف من جماهيرك، فمن أو ما يضحكك؟

 ما يضحكني هو ما يضحك الناس جميعا. وأكثر ما يضحكني هي تلك التفاصيل اليومية الصغيرة التي لا ننتبه إليها، والفنان هو من يعرف كيف يقبض عليها ويسلط الضوء على المثير فيها في قالب كوميدي. تلك الأشياء التي لا ينتبه إليها الجميع ويراها عادية. وعلى هذا النحو أيضا أشتغل أيضا.

وأضحك وأستمتع أيضا حين أصعد على الخشبة، هذه المتعة هي انعكاس للمتعة التي أحققها للجمهور، وهذا أمر يحفزني ويشجعني لإبداع ما هو أجمل.

  هل تروم تبليغ رسائل ما عبر مواضيعك الفكاهية؟

 لدي مجموعة رسائل، ولكن تبقى أهمها بالنسبة إلي إيصال بعض المعاني للشباب والمراهقين، إذ عليهم أن يقدروا ظروف آبائهم ولا يكلفوهم أكثر مما في وسعهم بطلباتهم وإحراجهم في أحايين كثيرة بطرق مختلفة. وهذه مواضيع قررت طرقها بعد سماعي لحكايات العديد من الآباء ومن خلال ملاحظتي لمحيطي.

  أفهم من كلامك أن أكثر ما يشدك هي المواضيع الاجتماعية؟

  هذا صحيح، المعاملات اليومية والعلاقات الإنسانية هي أكثر ما يلفت انتباهي، وأتأثر بها، وأرغب في إيصال رأيي بخصوصها، وأنا أتحدث عن جزء من حياتي وتحديدا طفولتي بطريقة حقيقية كما قلت.

طيب، ليس سهلا أن يتحدث المرء عن حياته وماضيه أمام الآخرين، فهل كان سهلا بالنسبة إليك؟

  ما يمنح للمرء القدرة على البوح بكل شيء عن ماضيه بتفاصيله مهما كان صعبا هو التواضع. وأنا أؤمن بذلك وأؤمن أن الله تعالى هو من خلقنا، وسنته في هذه الحياة الدنيا أن يكون يوم لك ويوم عليك، لذلك لا أخجل من قول كل شيء. وأشير هنا إلى أنه رغم أني عشت رفقة إخوتي ظروف فقر صعبة، إلا أننا كنا نتوفر على كثير من الطمأنينة وكثير من النعم، هذه النعم زالت جميعها بعدما توفر المال اليوم.

أنا أتحدث بكل صراحة دائما، مؤمنا أن هذه الدنيا فانية في النهاية، ولا خلود لأحد فيها، ما يخلد هو صدقنا وما قدمناه لغيرنا من أمور طيبة.

  هل لك أن تحدثنا عن كيف تأتى لك هذا الحس الفكاهي بداية؟

  هذا الأمر وراثي وتأثر بالمحيط الخاص أكثر من أي شيء آخر، لأن عائلتي، سواء من جهة الأم أو من جهة الأب، معروفون بالفكاهة في منطقة «غزوات» بالجزائر، وأنا أنتمي إلى جذور «الرحامنة»، وهؤلاء معروفون بالتفوق في النكتة، وعنهم أخذت ذلك، لأنهم كانوا يمزجون حكي التاريخ بالنكتة.

  هل لا تزال تجالسهم إلى اليوم، وهل ثمة شخصية أثرت فيك أكثر من غيرها؟

  لا أزال أفعل كلما حضرت بالجزائر. لكن أكثر من جالسته وأدمنت الإنصات إليه هو أحد أعمامي وكان اسمه «عكاشة»، لكنه كان معروفا لدى الناس باسم «الغول»، لأنه كان قويا وشديدا. وكان له صوت جميل يشبه صوت عبد الهادي بلخياط. يغني أغانيه بالطريقة نفسها. عمله كان بحارا، أي أنه كان كثير التنقل والسفر. وكان كلما عاد إلى بلدتنا الصغيرة تحلق حوله الجميع ليسمع حكاياته ومغامراته، ولم يكن يضاهيه أحد في طريقة سرده الأحداث. وبالنسبة إلي، كنت وكأني أفتح التلفزيون لمتابعة سلسلات أو أفلام مشوقة لا أقوى على مقاومة جذبها، وعنه أخذت أشياء كثيرة.

  إن سألتك عن الكوميديين المغاربة، من أكثر من يشدك أسلوبه؟

  لن أقول إني أفضل هذا على ذاك، لأن لكل أسلوب يميزه عن الآخرين. بالنسبة إلي، يعجبني كثير من الكوميديين، كحسن الفذ ومحمد الخياري وسعيد الناصري ومحمد الجم، أو غيرهم من الشباب الذين لا أحفظ أسماءهم، لكني شاهدتهم والكثير منهم أدهشني.

  طيب، ماذا عن أكثر شيء تطمح لتحقيقه ولم يتأت لك بعد كفنان؟

  أرغب في إنجاز فيلم سينمائي حول حياتي الخاصة. أريد أن أوصل عبره رسالة إلى المراهقين والشباب للقول إن النجومية والنجاح لا يتحققان دون تعب، وأن يستوعبوا أن الصعود إلى القمة والتفوق يأتي خطوة خطوة. وأريد أن يفطن هؤلاء إلى أني كفنان معروف تعذبت كثيرا وتعبت قبل أن أحقق أي شيء مما حققته، وأنه من الواجب على كل منهم أن يشتغل على نفسه على النحو نفسه، وإن كانت ظروف اليوم أسهل بالنسبة إليهم. سأحكي في هذا الفيلم، إن شاء الله، عن حياتي كاملة، وستكون قصة واقعية لن أنقص أو أضيف إليها.

  هل بدأت خطوة في هذا العمل؟

  ليس بعد، لكني سأجد الوقت لذلك عما قريب، لأني مرحليا منشغل بالتحضير لعرض جديد، سأبحث عن «سيناريست» جيد يخرج مجموع أفكاري على النحو الذي أريده، وحينها سأتفرغ لإنجاز الفيلم.

  هل ثمة وجوه معينة ستختارها لتشاركك العمل؟

  مرحليا، لم أفكر في أي اسم.

  تحدثت عن مشروع عرض جديد، ما عنوانه ومتى ستقدمه أول مرة؟

  كل ما أستطيع قوله عن هذا العرض إني سأقدمه لأول مرة مع بداية العام القادم، والباقي أتركه مفاجأة لجمهوري.

  حدثنا فقط عن بعض ملامح هذا العرض؟

  سأحكي في جزء من هذا العرض الكوميدي عن كيف كنت في الجزائر، وكيف تحولت في فرنسا، وعن رؤيتي لكل بلد حين أكون في الآخر. هذا العرض سيحمل رسائل للجزائريين الذين يعيشون في الجزائر وينشغلون بالتفكير في الحياة بفرنسا.

 تحدثت عن والدك ومدى تقديرك له، ما أهم ما أخذته عنه؟

 والدي، رحمه الله، قال لي كلمة سجلت إلى الأبد في ذهني وهي: «ابني إن شئت أن تنجح في هذه الحياة ويقدرك الناس، انظر إلى كل من تلتقيه، على اعتبار أنه أفضل منك، لأن ذلك سيجعلك تقدره وتحبه وتخدمه أيضا، أما إن نظرت إليه بأنه أقل منك، فإنك ستتكبر عليه». وعلى هذا النحو، عشت وأحب أن أواصل حياتي اليوم برضا حقيقي. وأؤمن بحكمة أن «اللي ما عندو كبير ما عندو تدبير».

  ماذا تقصد  بقولك «اللي ما عندو كبير ما عندو تدبير»؟

  بالنسبة إلي، عشت كثيرا مع الكبار وأنا طفل، ونشأت وأنا صغير على الاستماع والإنصات لحديثهم خلال جلساتهم، ومنها اجتماعاتهم في مناسبات كالأعراس وغيرها. كنت أنجذب إليهم أكثر من الانجذاب إلى اللعب مع أقراني. وكنت أجدني كذلك دون إيعاز من أحد، وتأثرت كثيرا بهم إلى درجة ترسخ معها حكيهم في ذاكرتي، وصرت أتحدث لغتهم. حتى أن كثيرين من جمهوري كانوا يتفاجؤون عند رؤيتي لأول مرة (إذ كنت أسجل أشرطة «كاسيط» صوتا في بداية التسعينات ولم أكن أضع عليها صوري)، وكانوا يعتقدون أني رجل في الستينيات أو أكثر، ولم يكن عمري حينها يتجاوز 34 سنة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي