«الإسلاميون» والديمقراطية..نقاش مع بوعشرين

25 نوفمبر 2015 - 23:12
تألمت كثيرا وأنا أقرأ هذه العبارة لصديقي توفيق بوعشرين في افتتاحية يوم الاثنين: «الفاتورة التي يجب أن يدفعها المغاربة مقابل إشراك الإسلاميين المغاربة في جزء من الحكم هي التراجع حتى عن المكتسبات السابقة. إنه نوع من العقاب السياسي للشعب الذي وضع بنكيران وصحبه في المرتبة الأولى في انتخابات نونبر 2011، وفي انتخابات شتنبر 2015»، مضيفا: «كلما تحسنت مؤشرات الحزب الانتخابية تدهورت مؤشرات الحقوق والحريات والممارسة الديمقراطية في البلاد»..
 هذا الحكم القاسي يحتاج إلى نقاش حقيقي، لأنه لا يستحضر السياق السياسي القريب منا، ويقفز على مجموعة من المعطيات الأساسية في تحليل اللحظة السياسية الراهنة، ولذلك لابد من بعض التوضيحات:
أولا، إن الدينامية السياسية التي أطلقتها رياح الربيع العربي تعرضت لانتكاسة قوية مع إجهاض المسار الديمقراطي في مصر بعد سيطرة الجيش على السلطة، وكادت الثورة المضادة تعصف بمكتسبات ثورة البوعزيزي في تونس لولا حكمة الطبقة السياسية هناك، وتقديم حركة النهضة لتنازلات مؤلمة حفاظا على ترسيخ تمرين التداول السلمي على السلطة، ولو على حساب الأوزان النسبية لنتائج العملية الانتخابية..
وفي المغرب جرت محاولات جدية لتفجير الحكومة من الداخل والرجوع إلى نقطة الصفر، وإقناع المواطن بلا جدوى صوته الانتخابي وفسح المجال أمام التحكم للهيمنة على الساحة الحزبية والسياسية، وقد تابعنا كيف نجح حزب التحكم في استقطاب أحزاب وطنية عريقة وأدمجها في أجندته السياسية المناهضة للديمقراطية والخادمة للسلطوية.
ثانيا، في هذا السياق المضطرب إقليميا، وفي سياق مناخ الهشاشة الحزبية وطنيا، علينا أن نقرأ نتائج الرابع من شتنبر ودلالاتها وما أفرزته من معطيات انتخابية لا يعني في الحقيقة مجرد مقاعد انتخابية عززت من موقع حزب العدالة والتنمية، إنها كانت زلزالا سياسيا حرّك المياه الراكدة داخل الأحزاب السياسية الوطنية، ودفعها لاستعادة موقعها الحقيقي في معركة بناء الديمقراطية. وهنا لن أتردد في القول بأن هذه النتائج حررت جزءا من الطبقة السياسية ودفعتها لفك الارتباط مع أجندة التحكم والاستبداد…ومن ارتباط النتائج الانتخابية بالمسار الديمقراطي ارتباطا واضحا. ارتباطا مما قيل هل يمكن بناء الديمقراطية بدون أحزاب سياسية حقيقية مستقلة مالكة لقرارها السياسي؟
ثالثا، هؤلاء المواطنون المغاربة الذين يسميهم توفيق بوعشرين بـ»الإسلاميين» أثبتوا في العديد من المحطات بأنهم زاهدون في السلطة، وليست لهم أية رغبة في التمسك بها إلا بقدر خدمتها لمشروع الإصلاح ومنه التقدم الديمقراطي، ولو كان تقييمهم الموضوعي انتهى إلى أن مشاركتهم في السلطة تتضرر منه العملية الديمقراطية، لوضعوا مفاتيحها غير آسفين على فقدان مقاعد خشبية تكون على حساب مصداقيتهم الذهبية ومكانتهم في قلوب الناس ومحبتهم.
رابعا، مسار التحول الديمقراطي هو بناء تراكمي تصاعدي تدرجي، وهذا المسار قد تعترضه بعض النتوءات، ذلك أن تجارب الانتقال الديمقراطي لا تتقدم دائما بطريقة مستقيمة، ولكنها تتقدم بطريقة لولبية، وهنا أتفق مع صديقي توفيق بأننا سنواجه صعوبات يريد البعض أن يجعل منها تراجعات في مجال الحقوق والحريات والديمقراطية، ولكن «نجاحه» الظرفي مرتبط بضعف الطبقة السياسية واستسلامها، وليس بالتقدم الانتخابي لهذا الحزب أو ذاك.
خامسا، إن هذا السياق المضطرب إقليميا، والذي قد يوحي بالتراجع والانتكاس لا يعني بأن حركة التغيير التي انطلقت في العالم العربي قد انطفأت، ذلك أن حركة التاريخ لا يمكن أن تسير إلا في اتجاه تعزيز قيم الحرية والكرامة والديمقراطية، لأن تطلعات الشعوب التواقة إلى التخلص من الاستبداد والتحكم أقوى من أن تقف في وجهها ثورات مضادة، أو قوى مناهضة للحرية وللديمقراطية، أو مناورات سياسية مكشوفة سرعان ما يبطل مفعولها.
 ملحوظة لها علاقة بما سبق، وأنا أدبج هذا المقال، بلغني الحكم الصادر ضد الزميل توفيق، وإنني إذ أعبر عن تضامني المطلق معه، اقتناعا مني بأنه يؤدي بدوره ثمن قلمه وجرأته، فإنني أزداد اقتناعا بأن معركة البناء الديمقراطي تمر عبر دفع كلفتها من طرف جميع الديمقراطيين في هذا البلد، وهذا عنوان الطريق الصحيح.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

M.KACEMI منذ 8 سنوات

سؤال: هل يرى اليسد حامي الدين أن السياق السياسي والأمني الجهوي والعربي عموما يمكن أن يبرر لجوء حكومة بنكيران لإعادة التوازنات المالية والاقتصادية على حساب ضعفاء هذا البلد، دون الاقتراب من أقوياءه الذين بدورهم راكموا قسطا هاما من ثرواتهم على حساب مواطنيهم الضعفاء. هؤلاء الأخيرون الذين كانوا ينتظرون من حكومة الدستور الجديد، أو المعدل، أن تحميهم من نهم الأقوياء، ,إذا بها تضع يدها في يدهم- الأقوياء- تماما كمن وضع يده في يد القابلة؟. ألا يرى السيد حامي الدين أن اختلالات كهاته ناجمة عن خضوع الحكومة لإرادات داخلية، خارج الدستور ومبد أ العدالة الاجتماعية، وفي حل من الالتزامات التي قدمت للناخبين؟

فاطمة منذ 8 سنوات

بالفعل مرحلة صعبة تعيشها العدالة والتنمية، ونحن ننتظر منها الشيء الكثير ولذلك سنستمر في دعم هذا الحزب مادام محافظا على نزاهته واستقامة أعضائه

مغربي حر منذ 8 سنوات

الى رشيد من أكادير : ربما لم يظهر لك التغيير في المغرب لأنك تعيش فيه ، أما نحن الذين نعيش خارجه فقد رأينا تغييرا كبيرا في المغرب ، أوله أن معاملات الشرطة و الدرك قد تغيرت كثيرا ، فمن قبل كانوا يعاملون المواطنين على أساس أن الكل عبيد المخزن ، التغيير الثاني أن الادارة أصبحت تقضى فيها أغراض الناس بسرعة أكبر و الكل أصبح خائفا أن يضبط وهو يتسلم رشوة ، التغيير الثالث و الأهم بالنسبة الي و هو أن السيد بن كيران تحس به و كأنه شخص يسكن في حيك من زمان ، إنه شخص يعرف حياة المغاربة بأدق تفاصيلها و يحكي بلسان حالهم ، وعندما يتكلم فإنك تحس أنه فعلا يريد لبلدنا أن تتغير ، كما قال السيد حامي الدين ، إنهم فعلا أشخاص زاهدون او زهاد في الحياة ، لم يأتوا الى السلطة من أجل الڤيلات و العمولات و السيارات و السهرات و الفتيات و الأسفار ووو ...و الكل يعرف بيت بن كيران و بابه مفتوح لكل مواطن ...فمهما قلتم و مهما ستقولون فالحقيقة ظاهرة لكل مغربي نزيه ، فلا تحاولون أن تدروا الرماد في العيون ...كلنا نعرف كيف كانت الأمور قبل مجيء العدالة و التنمية برجالاتها الكبار ، كانت الميزانيات تفرق بالليل بين المشكلين للحكومة و يرمى بالفتات للمغاربة ، و كانت أموال صندوق المقاصة يستفيد منها الأغنياء و كانت الصفقات تفرق على كل من له صلة قرابة مع المخزن ...شتان فرق بين البارحة و اليوم ، و أعدكم أن المغرب لن يعود مثل البارحة مهما فعلتم و سنقف لكل المفسدين بالمرصاد و سناسد العدالة و التنمية و سنساند العدل و الإحسان و سنساند السلفيين و سنساند حتى الشيطان من أجل مغرب ديمقراطي تفرق فيه الثروات بالعدل و يسود فيه العدل ...عاش الملك و عاشت العدالة و التنمية و عاش الوطن و الخزي و العار لكل المفسدين و لكل التماسيح و العفاريت

rachid d'agadir منذ 8 سنوات

ببساطة و بكل تجرد و بعد ان كنت متعاطفا مع حزب العدالة فإن هذا الحزب و على راسه بنكيران قد فشل و لم يفي و لو بأبسط ما وعد المغاربة به بل بالعكس تماما هناك تراجعات في جل المكتسبات التي حققها المجتمع المغربي في عديد السنولت الماضية ..... الحزب ينجخ الآن في الانتخابات أولا لأن أغلب الشعب لا يصوت و ثانيا لأن من يصوت الآن هم فقط مريدي الحزب و ثالثا هو توظيف الدين لإقناعنا و هذا دليل على ضعف الوعي السياسي في المغرب .... هذه الحكومة تريد إرضاء المؤسسات الدولية و" العفاريت و التماسيح" على ظهورنا نحن المقهورين ...الفقيه اللي تمنينا بركتو دخل الجامع ببلغتو

مواطن من تطاون منذ 8 سنوات

هذا المغرب قرن 21 يا سيد حامي الدين لا يحكمه إلا طرف واحد إلا وهو المخزن المغربي تحت سيادة العاهل المغربي، فالصلاحيات التي يمتلكها المخزن المغربي كثيرة ومؤسساته يستحيل أن يقترب إليها حتى رئيس الحكومة والصلاحيات الدستورية التي كفلها الدستور لرئيس الحكومة يخشى هذا الأخير أن يقوم بها، فأنى بنكيران موضع قدم حتى داخل حكومته ، وهل بمقدوره ايضا ان ينزل قراراته الدستورية على اقرب وزراءه مثل وزراء الداخلية والفلاحة و .... أنه حقا عبث لا نظير له الذي يعيشه المغرب ازاء ما يقترفه المخزن المغربي من الاعيب في حق المغاربة. اذكرك اخيرا استاذي العزيز عن رفضك التام لرئاسة فريقك الاستشاري بمجلس المستشارين، فهذا دليل كبير يؤكد للمغاربة استحالة تنزيل الديمقراطية في مغرب المخزن المغربي والسلام.

التالي