بنكيران والكاريزما السياسية 

16 ديسمبر 2015 - 15:45

عندما تحدث عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر في منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عن الشرعية الكاريزمية كإحدى الشرعيات التي أثبتت حضورها في التاريخ السياسي للشعوب إلى جانب الشرعية التاريخية والشرعية العقلانية، فإنه كان يدرك، انطلاقا من تمارين سوسيوسياسية وتاريخية بأن بعض الشخصيات السياسية لا يمكن التعاطي معها كشخصيات عادية ولا يمكن تناولها بشكل عابر في مسارها السياسي.
هي شخصيات من نوع مختلف تستطيع خلق جاذبية كبيرة بفعل حضورها الطاغي وقدرتها على التأثير على الآخرين، تمتلك مؤهلات نفسية قوية ولها قدرات استثنائية تستطيع بواسطتها التأثير في الجمهور، كما تتوفر على مخزون هائل من الشجاعة على اتخاذ قرارات مصيرية في لحظات مفصلية قد تكون مفتوحة على سيناريوهات خطيرة..
الشخصيات الكاريزماتية هي شخصيات تتمتع بموهبة خاصة في التعاطي مع الأحداث، هي شخصيات تؤثر وتتأثر وتتعامل بعاطفة قوية مع المحيط..
هناك العديد من الدراسات التي اهتمت بهذا النوع من الشخصيات، واعتبرت بأن هناك ثلاث عوامل أساسية تجعل الشخصية ذات طبيعة كاريزمية: – أولا الإحساس العميق بقوتها الذاتية، وشعورها بامتلاكها لطاقة جبارة تفوق الآخرين، وفي بعض الأحيان تعطي الانطباع بأنها شخصيات مغرورة، لكنها في الواقع تعكس إحساسا بالثقة القوية في الذات إلى درجة الإفراط، العامل الثاني هو امتلاك القدرة على التأثير السياسي والعاطفي في الآخرين، وهو تأثير قد يصل إلى درجة تمرير المشاعر نحو الآخرين وجعلهم يتقاسمون الحالة العاطفية للشخصية الكاريزمية، المحدد الثالث لفهم الكاريزما السياسية هو امتلاك المناعة ضد المؤثرات الخارجية، وقدرتها على التحمل والصبر في مواجهة التحديات الخارجية والامتحانات الصعبة ..
باستقراء بعض النماذج من الشخصيات السياسية التي تمتعت بقدرات غير طبيعية للتأثير في الآخرين وتحولت إلى أسطورة في التاريخ السياسي الحديث هناك شخصيات مثل تشرشل وديغول وروزفلت والخميني وجمال عبد الناصر وغاندي و نهرو ومانديلا أو غيرهم كثير.. جل هذه النماذج تطورت في مناخ سياسي أو عسكري أو دولي خاص جدا، بحيث عوضت الكاريزما قوة المؤسسات التي كانت غائبة أو ضعيفة ، في مجتمعات خرجت للتو من تجربة الحرب أو الاستعمار أو الميز العنصري أو مقاومة الاستبداد والدفاع عن المصالح العليا للبلد برزت أيضا الحاجة إلى الشخصيات الكاريزمية في مجتمعات كانت محتاجة إلى زعامات لمقاومة أنظمة شمولية أو استبدادية في محاولة لتلمس المبادئ الأولى للحرية كما لعبت الشخصيات الكاريزمية أدوارا حيوية في مراحل الانتقال الصعبة حيث الانقسامات تمنع انطلاق مسلسل المصالحة مع الذات أو مع الديمقراطية أو مع أنظمة الحكم الرشيد…
بعض الشخصيات الكاريزمية قادت مراحل سياسية صعبة في بلادها لكنها لم تقتل روح المؤسسات والقانون والديمقراطية كما حدث مع نيلسون مانديلا الذي استغل شعبيته وكارزميته من أجل مصالحة البيض والسود في تجربة فريدة في تاريخ البشرية، دون أن يجعل من كاريزميته أداة لقتل الديمقراطية وقوة المؤسسات في حزبه وفي بلده، وهناك شخصيات كارزمية أخرى استغلت تأثيرها في الجماهير لتقتل فكرة الديمقراطية وروح المؤسسات كما فعل عبد الناصر مثلا أو صدام حسين أو حتى الخميني في مرحلة من المراحل…
اليوم، الأستاذ عبد الإله بنكيران أمام تحدي التوفيق بين الكاريزما وبين النجاح في عملية الانتقال الديموقراطي مع استحضار الخصوصية المغربية وفارق الأدوار بين المؤسسات وطبيعة النظام السياسي..
لقد استطاع أمين عام حزب العدالة والتنمية ورئيس أول حكومة مغربية بعد الربيع المغربي من أن يتحول إلى شخصية كارزمية، إلى زعيم وطني لم يسبقه إلى هذا الموقع سوى قادة قلائل مثل علال الفاسي والمهدي بنبركة وَعَبَد الرحيم بوعبيد وآخرون .. واليوم السؤال هو كيف نصنع في المغرب من كاريزما الأشخاص مؤسسات قوية ومن شعبية الزعماء ممارسات ديمقراطية ومن الإشعاع الجماهيري طاقة لاختصار المسافات على درب الإصلاح…
بلادنا وبالنظر إلى حداثة تجربتها السياسية وهشاشة ديمقراطيتها يمكن أن تربح الكثير مع زعماء يؤمنون بالإصلاح وأعطوا الدليل القاطع على قدرتهم على مصالحة المواطن العادي مع السياسة بفعل جاذبية خطابهم وقدرتهم على الصبر والتحمل..
المغرب لازال محتاجا إلى الأستاذ عبد الإله بنكيران..

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مصطفى منذ 8 سنوات

من حزب المؤسسات إلى حزب الأشخاص ! أﻻتخجل من نفسك أيها الأستاذ الجامعي ( واحسرتاه ! ) وأنت تقارن شخصيات سياسية كمانديلا بالسيد بنكيران ؟ أين الثرى من الثريا ؟ مانديلا واجه عنصرية البيض بكل شجاعة واستطاع في آخر المطاف أن يضع حدا لنظام الميز العنصري في بلاده. لقد أعاد للسود حقوقهم المهضومة. السيد بنكيران له شخصية قوية ومؤثرة فعلا، لكن ومع كامل الأسف، على الضعفاء والعوام . لكنه أمام الآخرين يصبح كالحمل الوديع.

رlمي منذ 8 سنوات

اسي حامي الدين رآك كتركع،واش كون ما حركة 20 فبراير الي خلات الدولة تنازل و تميك على البجدة باش الشارع يبرد، كان هاد الهبيل غادي يولي راءيس حكومة؟اشمن كريزما كتهدر عليها،كون سمعك فيبير كون ندب حماكو،محشمتيش تقارن بوزبال بالشهيد بنبركة والله مابقا حيا،أنا كنتحداك تجمع ليه 10 شهادات ديال ناس عندها دراية بعلم لاجتماع او السياسة،حوكم رَآه نافخينو غير انتموا حتى غيتفركع!!!

حكومة " جوج فرنك " منذ 8 سنوات

منظروا الحزب يتحدثون عن الكارزمية والحال انه داخل الاسلاميين لا يوجد مفهوم الكارزمية . اذا كان الامر يتعلق بانبطاح حزب العدالة والتنمية فالأمر مقبول اما اذا كان الامر يتعلق بشخصية شعبوية وظاهرة كلامية فذاك ضرب من الجنون . وما على حامي الذين الا ان يعيد شرائط تهجم بنكيران على مزوار ليحدد اي نوع من الشخصيات هو رئيس الحكومة ....

ali abdelali منذ 8 سنوات

Article aveuglé par la subjectivité. Benkirane est unique parce qu'il est le premier premier ministre marocain à insulter les représentants de notre peuple, sans respect aucun pour personne . Il est aussi le premier à faire du parlement un cirque. Vous avez cité De Gaules, Mandela et bien d'autres. Moi je citerai Hassan II, qui a mis les jalons d'un rapprochement entre les palestiniens et israéliens. C'est lui qui a pu récupérer la moitié du Maroc. C'est lui qui a mis le Maroc sur la voie du pluralisme politique. Et c'est ce pluralisme qui nous a sauvé s aujourd'hui d'une hégémonie islamistes .

bouain mohamed منذ 8 سنوات

أشم را ئحة عهدة بوتفليقة على رأس الحزب . وتغيير القانون الداخلي إحترم من أيام حاتم 1981 .

M.KACEMI منذ 8 سنوات

كارزمية الأستاذ بنكيران غدت معطى ثابت. لكن النقاش الذي نود حدوثه قي الظرفية الحالية هو ذاك يحاول أن يجيب عن السؤال الآتي: هل يوظف بنكيران كارزميته لمد يد المساعدة لضعفاء وطيبي(بمعنى مبارك ربيع) هذا البلد، أم أن كارزميته توظف لتمرير قرارات لا شعبية إلى درحة أن تمريرها في السابق كان من باب المستحيلات، نظرا لردة الفعل الشعبية المتوقعة؟

التالي