ليس ضروريا أن يحب بنكيران الهمة 

27 مايو 2016 - 22:00

كلما اقتربنا من يوم 7 أكتوبر ارتفعت حرارة المملكة، وزاد منسوب التوتر في بركة السياسة، وضعفت الثقة بين كل الفاعلين، أحزابا وإدارة ودولة… عقدة المنشار اليوم هي خوف الدولة من اكتساح قوي لحزب العدالة والتنمية للانتخابات المقبلة، على منوال ما وقع في انتخابات 4 شتنبر وأكثر، حيث بسط بنكيران سيطرته على المدن الكبرى والمهمة بسهولة كبيرة، حتى إنه هزم ليس فقط خصومه أو منافسيه من الأحزاب الأخرى بالضربة القاضية، بل هزم نظاما انتخابيا وضعه إدريس البصري ودهاقنة الانتخابات في الداخلية.. نظام كان يجعل من حصول أي حزب على الأغلبية في مجلس المدينة أمرا شبه مستحيل.
المشكل، إذن، هو كيفية تدبير «المفاجأة الانتخابية»، ومدى قدرة الدولة والأحزاب على تحمل نتيجة غير متوقعة ظهرت مؤشراتها القوية في شتنبر الماضي، وتظهر في استطلاعات الرأي الحالية، وقد تتكرر في أكتوبر المقبل، ليس لأن حزب العدالة والتنمية «سوبرمان» لا يقهر، وليس لأن حصيلة حكومة بنكيران نموذجية، بل لأن منافسي بنكيران إما منهكون، مثل الاستقلال والاتحاد، أو فاقدون للمصداقية، مثل البام والأحرار، أو خارج المنافسة، مثل الاتحاد الدستوري وبقية أحزاب الصغيرة. هذا هو السر الأول لقوة البيجيدي.. إنه ضعف خصومه، وهذا الأمر ليس في صالح حزب العدالة والتنمية، ولا في صالح التجربة الهشة للتحول الديمقراطي في البلاد.
ما يزيد الطين بلة هو الوصفة القاتلة التي تعتمدها الدولة العميقة لإضعاف بنكيران وأصحابه، مثل منع لقاء وزرائهم بالمواطنين في الساحات العمومية، وتخفيض العتبة من ٪6‏ إلى ٪3‏، والنفخ في قربة البام المثقوبة، والتوجه نحو اللوائح الانتخابية لحذف مئات الآلاف من الشباب ممن سجلوا في اللوائح السنة الماضية، علاوة على إخفاء الأرقام الحقيقية لانتخابات الرابع من شتنبر الماضي. كل هذا سيعطي الناس الانطباع بأن هناك من يستهدف هذا الحزب، وأنه مظلوم، ولهذا يجب مناصرته وعدم التدقيق في حصيلته. إن الأمر يشبه لقاءك في الشارع العام مع امرأة تبكي وتصرخ وتطلب النجدة، حيث تتعاطف معها تلقائيا بغض النظر عن حيثيات وتفاصيل وحقائق ما جرى لها، ولا تسألها عن اسمها ولا عن سيرتها ولا عن مسؤوليتها عما جرى لها. شيء من هذا يقع وسيقع في انتخابات السابع من أكتوبر، إذا لم يجرِ تدارك هذا الانحراف، والجلوس إلى طاولة الحكمة للتهييء للانتخابات بشكل توافقي وهادئ وسلس، ودون مؤامرات ولا حسابات ضيقة لا تحتملها صحة البلاد العليلة، فكلنا يتابع نزول معدل النمو هذا العام، وآثار الجفاف وعواقبه على التشغيل والقدرة الشرائية والإحساس بالأمان لدى الشباب خاصة، زد على ذلك المطبات الدبلوماسية الخطيرة التي دخلها المغرب مع أمريكا والأمم المتحدة حول مستقبل نزاع الصحراء في منطقة مضطربة تنهار فيها الدول، وليس الأنظمة فحسب. لكل هذه الاعتبارات الداخلية والخارجية، مطلوب من الحكماء في كل طرف أن يهدئوا اللعب، وأن يصلوا إلى وضع إطار سياسي وقانوني لتدبير المرحلة المقبلة.
على بنكيران أن يبعث رسائل واضحة إلى كل من يعنيه الأمر بأنه رجل المرحلة، وأنه لا ينوي، بأي شكل من الأشكال، مسايرة الموجة الشعبية العارمة التي قد تجعله يكتسح الانتخابات المقبلة، وأنه رجل توافق واتفاق وتدرج، وأنه يفكر في المستقبل وليس في الحاضر فقط، وأنه يريد أن يفوز في الانتخابات، وهذا حقه، لكنه سيفوز بالنقاط وليس بالضربة القاضية في الجولة الأولى. نعم، لقد قدم بنكيران العربون على هذا التوجه عندما قبل التنازل عن عتبة ٪6‏ لصالح ٪3‏، وعندما أبرم تحالفا مع صديقيه بنعبد الله والعنصر قبل دخول غمار الانتخابات، عنوانا على إشراكهما في الحكومة المقبلة، لكن هذا لا يكفي. لا بد من إيجاد صيغة للتفاهم مع الدولة دون المساس بالخيار الديمقراطي، ودون ترك الصراع مفتوحا إلى درجة السقوط في الانحرافات، وعواقب المنهجيات غير الديمقراطية التي كلفت البلاد الكثير. ليس ضروريا أن يكون هناك حب كبير بين رئيس الحكومة وكبير مستشاري الملك، كما قال بنكيران عن فواد عالي الهمة، لكن على الجميع أن يحبوا بلدهم، وأن يضحوا من أجل استقراره وعبوره سالما هذا المنعطف الحساس، حيث بعض الأطراف في الدولة لها حساسية من الحزب الأول في المغرب.
على الدولة العميقة أن تتوقف عن محاولة قصقصة جناحي حزب العدالة والتنمية وتسمين حزب البام، وهندسة خريطة انتخابية بعيدة عن الواقع… فهذا سيضر بصورة البلد في الخارج، وسيدخل الخوف إلى قلب بنكيران وأصحابه من احتمال تزوير الانتخابات، ومن إسقاطهم ضدا على إرادة الناس، ومن ثم سيتوجه بنكيران بكل قوته لمقاومة هذا المخطط في صناديق الاقتراع، وفي الحملات الانتخابية، وفي المهرجانات الخطابية التي لا يتفوق أحد الآن فيها على زعيم البيجيدي المدعوم بشعبية كبيرة، وبعمداء جل المدن، وبتنظيم حزبي قوي وفعال، وبشبيبة نشيطة، ومدونين نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
ليس عيبا أن يطبق البيجيدي ريجيما طوعيا مؤقتا، وليس عيبا أن تتوقف الدولة عن حقن البام بإبر «الدوباج»، وليس عيبا أن نتجه إلى الانتخابات في هدوء، وليس عيبا ترسيم التطبيع بين كل الفرقاء من أجل المغرب والمغاربة.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

عبد السلام منصوري منذ 7 سنوات

قصة النقابة او المعارضة او بعض الصحافيين او بعض الفنانين مع بنكيران كقصة الثعبان مع المنشار .كلما ضغط الثعبان على المنشار لكي يكسره كلما دخلت اسنان المنشار داخل جسم الثعبان واصبح الجرح عميقا وغائرا يصعب خياطته او علاجه . لان الشعب المغربي له عقليتان . عقلية يتصرف بها في حياته اليومية وهي عقلية انتهازية وانانية وبعيدة عن المنطق والتحليل وتتساير مع الشارع المغربي . ويتصرفون بنفس التصرف حتى تعتقد اشتراكهم في ام واحدة وبيت واحد . اما العقلية الثانية يستعملها الانسان المغربي في اجتياز الامتحانات والمباريات والتصويت في الانتخابات والدليل على ذالك عندما تسمع في الشارع او المقاهي على العدالة والتنمية تظن من المستحيل يفوز في الانتخابات . ولكن يوم الاقتراع يحصل حزب بنكيران على المرتبة الاولى . وهذا مايفسر نظرية بان المغاربة يعيشون ازدواجية في الشخصية .شخصية الامتحانات والمباريات المتعلقة بالعمل والتصويت في الانتخابات وعقلية تصرفات الشارع والهاضرة الخاوية .ولهذا عندما يحاول النقابي او السياسي او بعض منتقدين لبنكيران اقناع الشعب المغربي بان حكومة بنكيران حكومة فاشلة وغير موءهلة فكريا وسياسيا وتعتمد على الزيادة فربما يمكنه ان يثق بهم ويمشي في وادهم . ولكن يمكنهم اقباعهم في العقلية الاولى والتي تتميز بالانتهازية والانانية وغيرها وهي التي تكلمنا عليها سابقا . ولكنهم لا يمكنهم اقناعهم في العقلية الثانية والتي تكلمنا عليها وهي عقلية الامتحانات

محمد دعال منذ 7 سنوات

أصبت كبد الحقيقة

توفيق منذ 7 سنوات

كأنك لم تأقرأ المقال اعلاه

yalli hanie منذ 7 سنوات

كلام لا أساس من الصحة /// حزب العدالة والتنمية لا يخدم البلد بل يخدم نفسه وقواعده لا غير //// المشكل أن من يجب عليه أن يشارك في تنمية البلد لا يتقدم إلى الانتخابات ويبقى الأمر في يد "الشلاهبية" يقسمون كل شيء فيما بينهم والخاسر الأكبر هو المواطن اللامنتمي طبعا //////

amin syad منذ 7 سنوات

من شاهد برنامج france 3 حول المال و شركات الملك ،لفهم كيف تدار الأمور و لماذا يحاربون العدالة و التنمية .إذا ظهر السبب بطل العجب .

الحسن منذ 7 سنوات

كل ما تقول ليس دمقراطيا بل تعطي للبيجيدي اكثر مما يستحق اعلاميا و كأن لسان حالك يقول أنا الاول او ما لاعبينش .لا الصناديق هي التي ستحكم و الانتخابات الجهوية ليست هي الانتخابات التشريعية هناك فرق . أي توافق تريد الا قتسام ربما . و نسيت نبيلة منيب سيكون لها وضع في هذه الاستحقاقات . أظن أن تعليقي ليس فيه لا سب ولا ما هو ممنوع فأرجو النشر .لاني لاحظت 3 تعليقات لم تنشرها لي رغم أنها عادية

benyounes منذ 7 سنوات

من اين لك كل هذا اليقين يابوعشرين في فوز بل اكتساح العدالة والتنمية للانتخابات اخشى ما اخشاه عليك ان تفقد شعبيتك وقراءك فاحذر من الاشهار المدفوع الاجر للعدالة والتنمية اخرج عند رجال التعليم لتعلم مدى تذمرهم من بن كيران سير عند الموظف المقهور وشوف رايه بصراحة في العدالة والتنمية متبقاش ادير حملة في ااجريدة

نافع الحامدي منذ 7 سنوات

وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...هذه القاعدة لا بد وأن يضعها كل مغربي غيور على بلده في الحسبان وأن يسعى لتحقيقها بكل الوسائل الممكنة ويحافظ عليها كما يحافظ على نفسه وماله وولده. الوقت ليس وقت خلاف ولو أن الاختلاف أمر طبيعي بل وصحي لمراجعة ما يمكن مراجعته وليس في ذلك عيب...العيب هو الدخول في نفق مظلم من الصراعات من الأرجح أن تؤدي إلى تفكيك نسيج الوطن المتماسك على كف عفريت إذا علمنا أننا قاب قوسين أو أدنى من هبوب ريح عاصف في طريقها إلى تشتيت لحمة البلد لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ...إذن فلنعمل نصب أعيننا مصلحة الوطن الهدف الأسمى ولنمشي وراء ملك البلاد محمد السادس حفظه الله ورعاه في كل خطواته وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا.

رابح منذ 7 سنوات

برافو سيدي الكاتب اللامع , لقد جندت قلمك لفائدة البجيدي وارتقيت في المجال الى مستوى لا يستطيع ادراكه حتى اعتى المجاهدين البجيديين , الا ان الحقائق المرة والوقائع المريرة في الحياة اليومية للمغرب والمغاربة ,لا تجد - بين جل الساسة - منتبها اليها ومكافحا من اجل تغييرها الا وهي المعاناة اليومية من الجهل والبطالة والفقر والمرض وما يترتب عن هذه الآفات والمآسي من انحرافات وانعكاسات ومخاطر ... ف"المعارك " الانتخابية ستنشب وتنتهي الى احتلال فلان وفرتلان لمقاعد البرلمان , لكن معاناة الشعب ستستمر الى ان يقرر الله الفرج والخلاص

التالي