هكذا تم تجاوز القانون لتوزيع بقع الزاهرية على "خدام الدولة"

30 يوليو 2016 - 10:17

بقدر ما كبرت فضيحة الوالي الفتيت، بسبب تجزئة « الزاهرية » في طريق زعير، واتسعت لتشمل نافذين ممن بات يطلق عليهم بـ »خدام الدولة »، بقدر ما يوجد غموض في الشق القانوني للملف لحد الآن، رأس الخيط فيه هو: كيف سمح الوالي الفتيت لنفسه بتجاوز مرسوم آخر صادر في العام 2002 والعودة إلى مرسوم 1995 الذي تم نسخه من أجل الحصول على قطعة أرضية بغير ثمنها الحقيقي؟.

بالعودة إلى عقد البيع بين مديرية أملاك الدولة (الملك الخاص) لفائدة عبد الوافي الفتيت، والموثق بتاريخ 28 يناير 2016، وكذا وثيقة التسجيل في المحافظة العقارية بالرباط بتاريخ 3 فبراير 2016، هناك معطيان هامان: الأول أن البيع تم بـ »الاتفاق والتراضي » بين الطرفين، وأن البيع تم وفق دفتر الكلف والشروط الملحق بظهير مؤرخ في 12 يوليوز 1948 كما وقع تغييره وتتميمه في غشت 1949 ويناير 1954، أي في عهد الحماية الاستعمارية. وكذا دفتر الكلف والشروط الخاص الملحق بالمرسوم عدد 2.95.841 الصادر بتاريخ 26 دجنبر 1995.

وفي دفاعهما عن الوالي الفتيت، برّرا كل من وزير المالية محمد بوسعيد، ووزير الداخلية محمد حصاد عملية البيع بين الأملاك المخزنية والوالي الفتيت بأن « القطعة الأرضية التي اقتناها الوالي الفتيت جزء من تجزئة سكنية مخصصة لموظفي وخدام الدولة، منذ عهد جلال الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه »، وأوضحا كذلك أن « ثمن وشروط اقتناء القطع الأرضية التابعة لهذه التجزئة، يحددها بتدقيق مرسوم للوزير الأول صادر بتاريخ 26 دجنبر 1995″، أي أنهما أحالا بدورهما على المرجع القانوني لعملية التفويت، وهو المرسوم رقم 295841 الصادر بتاريخ 26 دجنبر 1995. فما هو الأساس القانوني لهذا المرسوم؟، علما أن المراسيم تندرج ضمن السلطة التنظيمية للحكومة، ولا يمكنها أن تنشئ حقا من الحقوق.

قامت « أخبار اليوم » بالبحث عن المرسوم المذكور على صفحات الجريدة الرسمية، لكنها لم تعثر له على أثر. نفس البحث قام به المحامي سعد السهلي وآخرون لكن دون جدوى. قانونيا، إذا يعتبر النشر في الجريدة الرسمية جزءا لا يتجزأ من مسطرة التشريع. وبحسب المحامي السهلي، فإن عدم نشر مرسوم في الجريدة الرسمية « يعتبر كأن لم يكن ». عمليا، هناك مراسيم كثيرة يسمع عنها الباحثون ولا يجدونها، ونجد لذلك تفسيرين في العادة، الأول، إما أن الأمانة العامة للحكومة ترفض نشرها في الجريدة الرسمية بسبب معارضتها الصريحة للقوانين العادية أو للدستور نفسه، أي قد تكون مخالفة لحق من الحقوق أو مبدأ من المبادئ، التفسير الثاني أنها تختص بتنظيم مجال من مجالات السيادة (أمني، عسكري،…) ويتم التحفظ على نشرها لهذا السبب.

بما أن مرسوم 26 دجنبر 1995 لا يتعلق بأي مجال من مجالات السيادة، فهل يكون مخالفا لحق من الحقوق أو لمبدأ من المبادئ الدستورية؟.
الجواب سيقدمه لنا محمد رضى، مهندس وخبير مالي واقتصادي مختص في السياسات العمومية. يرى رضى أن مرسوم 26 دجنبر 1995 يجد مرجعيته القانونية في الفصل 82 من الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 629.76.1 الصادر بتاريخ 9 أكتوبر 1977، هذا الأخير (أي الظهير) وُضع لتغيير وتعديل المرسوم الملكي رقم 330.65 الصادر بتاريخ 21 أبريل 1967، وهو الظهير نفسه (أي ظهير 9 أكتوبر 1977)، الذي عدل وتمم بالمرسوم رقم 185.02.2 الصادر بتاريخ 5 مارس 2002.

بمعنى آخر، عدلت المادة 82 في المرسوم الملكي الصادر سنة 1967 مرتين: الأولى سنة 1977، والثانية سنة 2002. وبما أن المرسوم الذي يأذن للدولة أن تبيع ما بات يعرف بتجزئة خدام الدولة صدر بتاريخ 26 دجنبر 1995، فقد استند من الناحية القانونية على الظهير الشريف بمثابة قانون صادر بتاريخ 9 أكتوبر 1977 كما تم توضيحه.
ماذا تقول المادة 82 من الظهير الشريف لسنة 1977؟، محمد رضى عاد إلى النص الأصلي ليقول إن المادة المذكورة تنص على أنه في حالة البيع بالتراضي والاتفاق (وهو ما حصل في حالة الوالي الفتيت كما سبقت الإشارة، وكذا خدام الدولة حسب الشهادات التي قدمها لشكر وأوريد واحجيرة)، يجب أن يكون البيع بالتراضي بناء على قرار لوزير المالية إذا كان ثمن البيع لا يتجاوز 20 ألف درهم، لكن إذا كان الثمن فوق هذا المبلغ يجب أن يكون التفويت بموجب مرسوم للوزير الأول (حاليا رئيس الحكومة) يتخذ باقتراح من وزير المالية.

ويشرح رضى أن المرسوم الذي يصدر عن الوزير الأول يكون بعديا وليس قبليا، بمعنى أن عملية التفويت تكون بين الأملاك المخزنية من جهة، والشخص المشتري بذاته من جهة ثانية، وعند اكتمال كل أوراق ملف التفويت بالتراضي، يُرفع الملف إلى الوزير الأول الذي يصدر مرسوما بالاسم الشخصي للمشتري من الأملاك المخزنية.

أين الخلل إذن؟، بالرجوع إلى المرسوم (حصلت عليه « أخبار اليوم ») الذي استند عليه الوالي الفتيت والأملاك المخزنية في عملية البيع بينهما، أي مرسوم 26 دجنبر 1995، لم يصدر بشكل شخصي لفائدة كل شخص طبيعي اشترى قطعة أرضية من الأملاك المخزنية (الدومين)، بل صدر المرسوم ليأذن للدولة (الملك الخاص)، حسب المادة الأولى منه، بأن تبيع بالتراضي 68 قطعة أرضية مجهزة، تابعة لتجزئة الزاهرية الكائنة بمدينة الرباط، وفقط.
ومن ثمة يذهب محمد رضى إلى أن مرسوم 26 دجنبر 1995 « فيه احتيال على الظهير الشريف لـ9 أكتوبر 1977 ». لأن المرسوم صدر قبل عمليات التفويت، وصدر لتبرير عملية بيع جماعي وليس عملية تفويت شخصي. لقد كان مرسوم 1995 بمثابة « شيك على بياض منحه الوزير الأول حينها (عبد اللطيف الفيلالي) لجهة مجهولة تصرفت في تجزئة من 68 بقعة خارج القانون ».

ويضيف رضى أن مرسوم 1995 غير قانوني من جهتين: من جهة لأن فيه احتيالا على الظهير الشريف لـ9 أكتوبر 1977، ومن جهة ثانية لأنه مخالف لمبدأ « عدم استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه » التي كان يجرمها القانون المغربي بصفة دائمة، وجاء الفصل 36 من دستور 2011 ليجرمها كذلك، (يعاقب القانون على المخالفات المتعلقة بحالات تنازع المصالح، وعلى استغلال التسريبات المخلة بالتنافس النزيه، وكل مخالفة ذات طابع مالي).

وإذا تبين أن مرسوم 1995 الذي استندت عليه الأملاك المخزنية في توزيع تجزئة « الزاهرية » على من تريد بكيفية غير قانونية، وتنطوي على الاحتيال منذ البداية، فإن الفضيحة، من وجهها الآخر، تتصل بأولئك الذين تم اختيارهم بعناية من قبل « الجهة المجهولة » التي استصدرت مرسوما من قبل الوزير الأول، بمثابة شيك على بياض، لتوزع تلك البقع الأرضية على من تشاء وتقصي من تشاء. المدان في هذه اللعبة، يقول رضى، هو « الدخول فيها من قبل كل الذين استفادوا، بمن فيهم السياسيون، يعني القبول بالزبونية والريع »، وبمعنى آخر أنهم « يوافقون على وجود ممرات سوداء في توزيع المنافع والعطايا والامتيازات ».

من هنا نفهم لماذا عارضت أحزاب سياسية في سنة 2012 و2013 بقوة نشر الحكومة للوائح المستفيدين من المقالع، ونفهم كذلك لماذا تحرك الوزيران بوسعيد وحصاد، قبل الجميع، لتوجيه الفضيحة باتجاه حزب سياسي، لهدف أساسي و »هو إخفاء الريع الذي تحالفوا معه »، ولهذا فالأولوية- يقول رضى- هي « تحديد الموقف من أسلوب العطايا والريع المعمول به »، أما من يُطالب « بإلغاء مرسوم 1995، فهو يضحك على الذقون ويستهزئ بذكاء المغاربة »، يقول رضى.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

ahmed منذ 7 سنوات

Les parlementaires Majorité surtout sont responsables devant l'opinion publique de toutes les anomalies qui peuvent exister dans la gestion des affaires de notre pays. Ils doivent être courageux de dénoncer toutes les choses qui leur semblent non réglementaires qui ont été établies par leurs prédécesseurs et ils ont cinq ans pour faire cela. Les représentants qui ont été élus par le peuple a l'issue de la Constitution 2011 ne doivent penser que de retablir les droits de toute la population ( travail , sakane, justice, sécurité etc...) . Parceque nous on attend toujours le bien être qui peut provenir des actions de nos representant au Parlement . Nous Tous on est optimiste pour trouver un jour les vrais partis qui sont courageux pour défendre les intérêts du peuple et légiférer pour supprimer toutes les anomalies qui ne nous donnent pas la dignité que nous meritons .

BADRAOUI منذ 7 سنوات

الأمور قد اتضحت فالفضيحة ترجع لسنوات قبل و حتى إذا قبلنا بالمرجع القانوني الذي يسرب هذه الإمتيازات بكيفية انتقائية للبعض دون الغير فنقول أن المرسوم الملعون ١٩٩٥ غير قانوني و غير دستوري و يمكن القول غيرأخلاقي . لا يمكن الإسناد به حيث أنه مخالف لظهير ١٩٧٧ لأن التفويت يجب أن يتم بين الدومين و كل شخص على حدة وبعد الموافقة البعدية من رئيس الحكومة و مع ذلك فمقتضيات دستور ٢٩ يوليوز ٢٠١١ تتنافى مع تلك المراجع السالفة ..مبدأ تكافؤ الفرص،المواطنين سواسية أمام القانون..... المهم تلك المراجع لم تصدر في عهد ملكنا محمد السادس الذي قال لا فرق بين الولاة, العمال, رجال السلطة كلهم و المنتخبين و عموم الشعب. و حتى رئيس الحكومة فقد بادر نواب حزبه للتصدي لهاته النازلة عبر توجيههم لسؤال كتابي لوزير الداخلية لتصحيح الوضع.لذايجب على مدير الأملاك أن يراسل المستفيدين لإرجاع ملك الدولة الخاص حتى يخضع البيع عبر المزاد العلني. فلنقل يجب على نواب الأمة بمختلف تلاوينهم أن يبادروا لتحيين القوانين المانحة لإمتيازات للبعض دون الغير و ملائمتها مع روح الدستور . نريد فقط جبهتنا الداخلية رغم تحفظي على بعض الأحزاب التي تأوي تفشي الريع كالبام، RNI, USFP, PI....

Adil منذ 7 سنوات

Les voleurs

Adil منذ 7 سنوات

Cha3b wakalha ou sakat....daba tchoufou mène ba3d.....comme le Turquie

متتبع للقضية/الفضيحة منذ 7 سنوات

تناولت العديد من المنابر الإعلامية إقدام المحافظة العقارية بالرباط على حجب صفحة تصفح الرسوم العقارية. يجب ألا نستغرب أذا ما سلكت الأمانة العامة للحكومة نفس النهج وعمدت إلى حذف محرك البحث في أرشيف الجريدة الرسمية، لأن هذه الخدمة -محرك البحث- هي التي فضحت لعبة التعتيم (**قامت “أخبار اليوم” بالبحث عن المرسوم المذكور على صفحات الجريدة الرسمية، لكنها لم تعثر له على أثر. نفس البحث قام به المحامي سعد السهلي وآخرون لكن دون جدوى**). سياسة التعتيم والخرق الصريح لروح الفصل 27 من الدستور الذي أسَّس وضمن حق الولوج إلى المعلومة التي نهجتها المحافظة العقارية ليست سابقة في عهد دستور 2011، بل إن السيد رئيس الحكومة كان له "شرف" السبق بعد أن قام بحذف الصفحة التي كانت موجودة على الموقع الرسمي للوزارة الأولى/رئاسة الحكومة والتي كانت مخصصة لنشر المنشورات التي أصدرها الوزراء الأولون السابقون.

houda منذ 7 سنوات

الخلاصة نحن في دولى الريع لي لقى ما يشفر كيشفرو

التالي