كأنها القيامة

01 أغسطس 2016 - 15:56

في الخطاب الأخير، احتفظ المتن السياسي الملكي بالنبرة ذاتها للجيل الجديد من الخطب: فقرات قصيرة مكتوبة بلغة جد بسيطة، ونفس نقدي قوي. في المضمون ولأن المناسبة شرط، فخطاب ذكرى عيد العرش، لم يخرج عن العادة باعتباره خطابا للحصيلة في مجالات السياسة الداخلية والخارجية .
خطب العرش الأخيرة هي كذلك فرصة للتعرف على تمثل الجالس على العرش، لصلاحياته وسلطه خاصة على ضوء التوزيع الجديد للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية كما جاء به دستور 2011.
هنا، فالخطاب السياسي للمؤسسة الملكية، يريد أن ينخرط في سجل وظيفة الإشراف الاستراتيجي وتقييم أداء باقي المؤسسات والفاعلين، وينشغل بتدبير الزمن « المستمر »، البعيد المدى والذي يتجاوز الزمن الانتخابي ومنطق الولايات الحكومية .
لذلك قدم الخطاب، بعد أن وضح المسافة التي تفصل المؤسسة الملكية عن الأحزاب والرهانات الانتخابية، محاولة لإعادة تأطير الصراع الانتخابي والسياسي، عبر نزع الطابع الدراماتيكي عنه ( dèdramatiser)، وإعادة تعريفه بعيدا عن وضعية حرب الجميع ضد الجميع، أو حالة « القيامة »، حيث « لا أحد يعرف الآخر، والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار التي يمثلها الانتخاب ».
هو إذن خطاب التهدئة (L’apaisement) الذي يعطي للاستحقاق الانتخابي حجمه الطبيعي، ولا يحوله إلى لحظة لنهاية العالم، لكنه كذلك خطاب التأطير
حيث يبدو الملك، وهو يقوم بوظيفة ضبط (la régulation) الحقل السياسي والمشهد الحزبي، عبر تحديد أدوار الأحزاب في عملية الترشيح للانتخابات، وتأطير الأداء الانتخابي لأحزاب الأغلبية والمعارضة، والتذكير بوظائف الإدارة والحكومة والقضاء في الاستحقاقات الانتخابية، والتعبير العلني عن حالة الاستغراب من بعض الانزياحات الخطابية للفاعلين. (لا نعرف هل المقصود بالمفاهيم التي تمس بحرمة ومصداقية المؤسسات هي « التحكم » و »الازدواجية »؟).
الخطاب لم يبتعد كذلك عن قاعدة « القرب » من حيث التقاط انشغالات الرأي العام، وهنا لا يمكن قراءة الفقرات المتعلقة بالفساد بعيدا عن تداعيات فضيحة « خدام الدولة »، وهنا فإن الملك حدد مرجعية وإطارا لمحاربة الفساد، المرجعية المنطلقة من المفهوم الجديد للسلطة، ومن ربط المسؤولية بالمحاسبة، والإطار المتمثل في تطبيق القانون، مع التنبيه إلى بعض منزلقات تدبير قضايا الفساد، مثل تحولها إلى موضوع للمزايدات، أو معالجتها بعيدا عن منطق القانون، أو اعتبارها قضية فرد أو حزب أو جهة لوحدها.
ولعل أقوى لحظات الخطاب، في هذا الشق المرتبط بالفساد، تتعلق بما يستفاد من الحديث عن « العصمة »، وهو ما يعني أن لا أحد محصن من المسؤولية والمحاسبة. (في المقابل لا يبدو واضحا المقصود بهذه الفقرة: « الفساد ليس قدرا محتوما. ولم يكن يوما من طبع المغاربة. غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد، حتى أصبح وكأنه شيء عادي في المجتمع »).
المثير في الخطاب الأخير، وهو يتعرض للمسألة الأمنية، هو الإشارة الواضحة إلى التحذير من جعل أمن المغرب موضوعا « لصراعات فارغة »، وذلك بعد التأكيد على ضرورة التنسيق بين المصالح الأمنية، الداخلية والخارجية، ومع القوات المسلحة الملكية، وبعد التعبير عن التقدير الملكي للجهود والتضحيات الجسيمة لهذه المصالح والإشادة بفعاليتها.
وهنا، فإذا كان التنسيق بين المصالح الأمنية قد شكل أحد عناصر العقيدة الأمنية لما بعد 16 ماي 2003، فإن وثيرة هذا التنسيق قد تسارعت بشكل واضح في السنوات الأخيرة، كما يبدو على الأقل من خلال التعيينات الأخيرة داخل الإدارة العامة للأمن الوطني، أو من خلال إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية .
ولذلك، فإشارات الخطاب الملكي في هذا الباب، تؤشر بشكل واضح على نضج التفكير في تنصيب المجلس الأعلى للأمن الذي ينص عليه الفصل 54 من الدستور، باعتباره هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد.

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

مواطن من تطاون منذ 7 سنوات

متن وتوجهات الخطاب الملكي يعتبر تكتيكيا بالدرجة الأولى بقدر ما هو خطاب خاص يعبر عن مناسبة عيد العرش تبين حصيلة منجزات التنمية العامة وتقييم لها ، فهو في حقيقة الأمر هجوم تكتيكي وردود أفعال عما اعتمل المشهد السياسي من اضطراب نتيجة سوء العلاقة والفهم بين رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران والعاهل المغربي بسبب مواقف الدولة المخزنية المستهدف لحزب العدالة والتنمية بالتهميش والإقصاء والتشويه وأكثر تعبيرا عن هذه الحالة المزرية تمرير اختصاصات لرئاسة الحكومة الدستورية لوزير الفلاحة وهو لايستحقها عن طريق المجلس الوزاري وتهميش عمدة مدينة الرباط المنتخب ورفع دعوى قضائية ضده ومما زاد العلاقة سوءا بين الدولة ا لمخزنية ورئاسة الحكومة إضفاء الطابع الرسمي غير دستوري على مرافقة رئيس جهة الشمال اليأس العماري إلى الصين للتوقيع على استثمارات في بلاد المغرب فكأن لا وجود لمؤسسة دستورية اسمها رئاسة الحكومة التي تم تهميشها ، كل هذه الأمثلة وغيرها المعاينة أثارت حفيظة رئاسة الحكومة التي انفجرت من خلال تصريحات لعبد الإله بنكيران الذي عبر بصورة واضحة عن وجود دولة داخل الدولة الرسمية ، هذه التصريحات لم تستسيغها رئاسة الدولة المغربية ، ومن ثم جاء الخطاب الملكي الأخير على هذا المنوال الغاضب . واعتقد أن رد الفعل هذا من طرف المخزن الرسمي يؤشر على شبه قطيعة التي سترسم مرحلة جديدة بينه وبين حزب العدالة والتنمية الذي لاشك أن علاقتهما ستشهد تطورات جد صعبة .

التالي