أبعاد ودلالات التحركات الملكية الدولية

30 ديسمبر 2016 - 13:53

الكثير من التحليلات تناولت الخطاب الملكي في قمة الخليج من زاوية هذه المناسبة، وأيضا ما يمكن أن تقدمه هذه الدول من دعم للمغرب سياسيا بالنسبة للقضية الوطنية إلى جانب تمتين العلاقات الاقتصادية، وفي اعتقادنا أن هذه المعطيات الظاهرة، لا تعكس بالضرورة الدلالة العميقة للخطاب الملكي، باعتبار أولا هذا الدعم في هذه المجالات بات أمرا تقليديا وتاريخيا، في العلاقات التي تربط بين المغرب وهذه الدول، وبالتالي إن هذا الخطاب من قلب المشرق العربي، وتخوم ومحيط الشرق، لم يكن إلا واجهة لتبني استراتيجيات جديدة، بدا أن ملامحها تتشكل في ارتباط بأحداث مصيرية وأسباب القضية الوطنية، خصوصا حينما ساندت الولايات المتحدة بعث لجنة لمراقبة وضع حقوق الإنسان بالجنوب المغربي، وقد لعبت روسيا إلى جانب الصين دورا حيويا على مستوى التوازن القائم ورفض تغيير الواقع، أما دول الخليج فإنها فقدت الكثير من نقاط قوتها الاقتصادية والسياسية أمام التحولات الدولية والإقليمية التي مست كياناتها، وهي ما أحوج اليوم إلى الدعم، بعد أن تورطت في الكثير من الحروب (العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، أفغانستان) دون نتيجة اللهم الاستنزاف السياسي والاقتصادي وإبعادها عن كل الاستراتيجيات الجديدة، بعد أن أدارت أمريكا ظهرها لهذه الدول التي وضعت كل بيضها في الاستراتيجيات الأمريكية منذ عصور، وتجد نفسها اليوم على هامش ما يجري في المنطقة، وما سيحدد مصائرها راهنا ومستقبلا، بعد الاتفاق الذي حصل بين إيران وأمريكا والدول الأوروبية، علما بأنه لا يمكن المقارنة بين طبيعة المؤسسة الملكية المغربية التي لها خصوصيتها على مستوى تاريخها وجذورها، ووظائفها رمزيا وسياسيا ضمن بناء الدولة والملكيات في الخليج العربي، التي تبدو محافظة ومطيعة جدا، ولذلك لم يكن غريبا أن تتفاعل المؤسسة الملكية المغربية مع كثير من الأحداث، خصوصا الاحتجاجات التي وقعت في المغرب عقب ما جرى في العالم العربي.

يأتي ذكر روسيا إلى جانب الصين في الثلث الأول من الخطاب، في حين أن الإشارة إلى المنظومة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في الثلث الأخير من الخطاب.

ورد ما يلي: « ومن جهته فالمغرب رغم حرصه على الحفاظ على علاقاته الاستراتيجية مع حلفائه، قد توجه في الأشهر الأخيرة نحو تنويع شركائه على المستوى السياسي أو الإستراتيجي أو الاقتصادي، وفي هذا الإطار تندرج زيارتنا الناجحة إلى روسيا، خلال الشهر الماضي، والتي تميزت بالارتقاء لعلاقاتنا إلى شراكة استراتيجية معمقة، والتوقيع على اتفاقيات مهيكلة في العديد من المجالات الحيوية. »

وأعلن الخطاب أيضا عن الزيارتين المرتقبتين إلى الهند والصين وهي الزيارة التي تمت بعد ذلك، وهي دول كلها تنتمي إلى مجموعة البريكس، وهو توجه يؤكد استقلالية القرار المغربي، « فالمغرب حر في قراراته واختياراته وليس محمية لأي بلد وسيظل وفيا بالتزاماته تجاه شركائه الذي لا ينبغي أن يروا في ذلك أي مس بمصالحهم. »

هنا ينبغي أن نشير أنه، رغم الارتباط بين المغرب والخليج، فإنه يبدو أنه بدأ ينأى بنفسه عن كثير من الأحداث المندلعة في الشرق العربي والسياسات المتبناة، خصوصا في ما يجري في سوريا واليمن، لأنه ربما أدرك متأخرا أن الانعكاسات المترتبة عن هذه القضايا سيكون ثمنه مكلفا، وهنا لا ننسى مواقع الدول الفاعلة في هذه الأحداث وتحالفاتها خصوصا روسيا والصين، وهذا الابتعاد الصامت ربما يتيح للمغرب أن يلعب دور الوسيط والتوجه نحو حيازة ثقة الأطراف المتحاربة.

إن المغرب بهذا التوجه يضمن نوعا من التوازن في إطار محيطه الجيو-استراتيجي، بعد أن كان منحازا لاختيارات معينة، لم تعد متصالحة مع المتغيرات والتحولات العميقة، التي تقع اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على صعيد العلاقات بين الدول، ولا ينبغي للمغرب أن يتصرف، وكأن الأمور ثابتة وراكدة، كل ذلك من أجل الدفاع عن مصالحه وموقعه ووحدته حتى لا يصبح مرتهنا للتدبير السياسي الخارجي والترتيبات التي لا يمكن السيطرة عليها، وهذا كان موضوع العديد من كتاباتنا ودراساتنا المنشورة في الجرائد الوطنية والعربية منذ سنوات، والتي أكدنا فيها على ضرورة أن ينفتح المغرب على روسيا والصين خدمة لمصالحه، واستشعارا متقدما للمتغيرات التي كانت مؤشراتها غير واضحة واستباقا للأحداث، إن التطابق بين الموقفين المغربي والخليجي ظاهريا، مثل ما سارت على ذلك كل التحليلات، هنا وهناك، يخفي أيضا اختلافا وتباينا بينهما على مستوى مقاربة الكثير من القضايا الحارقة في المنطقة العربية والتعاطي مع العلاقات الدولية الجديدة، ولعل هذا فيه مصلحة للطرفين الخليجي والمغربي الذي يروم الحفاظ على استقلاليته حتى في علاقاته مع حلفائه في المحيط العربي.

إن التحركات المغربية ممثلة في الزيارات الملكية لعدد من البلدان، وعقد اتفاقات استراتيجية معها، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا، يكشف عن نزوع المغرب نحو البحث عن أفق جديد لبناء علاقات جديدة وعمق دولي متعدد ووازن وفاعل. بخلاف ما ساد من اعتقاد بأن المغرب أعطى أولوية للرهانات الداخلية، التي لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن المحيط الجهوي والدولي في ظل موقع المغرب الجيواستراتيجي، وارتباطاته المعقدة بمختلف الأحداث مع وجود تحديات تستهدف المغرب، وأساسا في وحدته الترابية. في هذا السياق، يأتي تصالحه مع امتداده الإفريقي والأسيوي، الشيء الذي لا يمكن أن يروق لدول لا ترى في المغرب حليفا أو شريكا كامل الحقوق، أي بمعنى هو موجود لكي يندرج ضمن سياسات واختيارات ورهانات لدول معينة واستراتيجيات أجنبية، وفق مصالحها وحساباتها وأولوياتها الخاصة، لا مصالحه هو وضروراته الجغرافية والسياسية والاقتصادية.

عبد الرحمان غانمي

أستاذ جامعي

شارك المقال

شارك برأيك

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

التالي