قبل سنة من الآن، وقف برلماني من حزب الاستقلال أمام رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، خلال جلسة الأسئلة الشهرية، وفجّر في وجهه قنبلة من العيار الثقيل. النائب المحترم تسلح بكل الجرأة الممكنة وصاح في وجه الجميع، مستنكرا كيف تم التلاعب بأموال البرنامج الاستعجالي للتعليم، إذ تم نهب عشرات الملايير من الدراهم حتى إنه ذكر رقم 192 مليار درهم، أي ما يوازي نصف المديونية الخارجية، وأضاف أن لديه وثائق تؤكد ذلك.
بعد لحظات صعد بنكيران المنصة ورد على النائب المحترم بما مفاده أنه يتعاطف مع ما قاله، بل يستنكره مضيفا، ويا ليته صمت، بأنه لا يستطيع العودة إلى الوراء ومحاسبة وزراء سابقين!
كان المؤمل في رئيس الحكومة أن يأمر وزيره في العدل بفتح تحقيق عاجل، وإطلاع الرأي العام على نتائجه ومحاسبة سُرّاق الأموال العمومية، لكنه اختار أن يقفز على التزامه أمام ملايين المغاربة، وذلك حينما قال لهم: « إن صوتنا فرصتكم لمحاربة الفساد والاستبداد ». بعد ذلك، لا هو أمر بفتح تحقيق، ولا هو عاد إلى الموضوع، وكأن ما قاله النائب المحترم يهم جزيرة « الواق واق ».
واليوم، مع بداية السنة الجديدة أصدر مجلس الحسابات تقريرا ناريا يتهم فيه جهات بوزارة التربية الوطنية باختلاس أموال البرنامج الاستعجالي، وهناك أنباء عن تسلم الفرقة الوطنية للشرطة الفضائية الملف للتحقيق فيه. فيكف سيحس الآن رئيس الحكومة وهو يرى التحقيق يُفتح من طرف جهات لا سلطة له عليها، في وقت كان بإمكانه أن يُفعِّل الشعار الذي جعل حوالي مليوني مغربي يصوتون عليه.
ها هم قضاة إدريس جطو ينصفون النائب المحترم، الذي غادر قبة البرلمان وبإمكانه الآن أن يكون مرتاح البال لأنه أبلى البلاء الحسن وبلغ صوته للرأي العام بعد أن أصم رئيس الجهاز التنفيذي آذانه عن سماع هذا الصوت، ربما تفعيلا لأسوأ ما قاله خلال ولايته الأولى؛ « عفا الله عما سلف ».
وبعودة إلى واقع الحال، نتذكر كيف نقلت شبكات التواصل الاجتماعي بداية الموسم الدراسي صورا لا تشرف المغرب كقوة اقتصادية صاعدة في محيطها الإقليمي، صورا لا نجد مثيلا لها حتى في « غزة » المحاصرة. تلاميذ بدون طاولات، وأقسام بلا أبواب ولا نوافذ، ومعلم واحد لعدة مستويات مكدسة في قسم واحد، وبداخله أكثر من ستين تلميذا. مأساة حقيقية بسبب شرذمة سُرّاق محمية بممارسات لا تؤمن بربط المسؤولية بالمحاسبة، لأنها تعتقد أنها فوق كل حساب. في المحصلة، هذه المافيا على حق مادام مدبرو الشأن العام ينهلون من قاموس الجبن السياسي وهم مستعدون لكل التنازلات من أجل « جلالة الكرسي المعظم ». فعفا الله عما سلف، وليذهب التلميذ والتعليم والمبادئ والمحاسبة إلى الجحيم.
مدير نشر « ليزيكو »