لم يكن أمام وزراة الداخلية، خيار آخر للتحذير من مسيرة الـ20 من يوليوز الجاري بعاصمة الريف، الحسيمة، سوى الإسراع إلى إعلان « المنع » عبر وكالة الأنباء الرسمية (لاماب)، قبل ثلاثة أيام من موعد المسيرة.
وهو إعلان اعتبره نشطاء الريف « تهديدا » و »وعيدا » لهم، في حالة ما لم يتراجعوا عن فكرة تنفيذ المسيرة في الريف.
قراءة أخرى، يتضمنها قرار « المنع »، تشير إلى اعتماد الداخلية لسياسة « الكيل بمكيالين » في منع التظاهرات السلمية، حيث ظل التساؤل قائما حول السبب الذي دفع الداخلية لمنع مسيرة 20 يوليوز بالريف، ولم يدفعها إلى منع مسيرة « أخونة الدولة » سبتمبر الماضي، بالدار البيضاء، وقد أكدت الداخلية نفسها « جهلها » بمن يقف ورائها.
وسياسيا، ظلت الحكومة تضرب جدار الصمت المطبق إزء إبداء أي موقف سياسي من المسيرة، ما عدى ما أبداه المتحدث الرسمي باسمها، من تحفظ عن الخوض في الموضوع.
منع « غير دستوري »
الإعلان عن المنع تلاه وابل من الانتقادات في الأوساط الحقوقية والسياسية على صفحات « سوشل ميديا »، كونه « منعا » لا ينسجم مع « مُثل » الدستور ومدونة الحريات العامة.
وينص دستور المملكة، في فصله الـ29 على « حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي »، ويشدد في فصله 22 على أنه « لايجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة، ولا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية ».
غير أن قرار الداخلية لمنع مسيرة 20 يوليوز، استند إلى ما قالت عنه عمالة الحسيمة « صلاحيات قانونية » مخولة لها؟
ثلاث مبررات للداخلية
استندت الداخلية في قرار المنع، إلى ثلاث مبررات ضمنتها بالترتيب في بلاغها الصادر أمس الإثنين.
الأول تستند فيه إلى « عدم توصلها »، بأي تصريح في الموضوع (كما هو منصوص عليه في الفصل الثاني ضمن أحكام الظهير الشريف رقم 377 . 58 . 1 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية).
فيما الثاني، ذكرت فيه ان « التنسيقيات » التي تقف وراء هذه الدعوة « لا تتوفر على الصفة القانونية التي تخول لها تنظيم المظاهرات بالطرق العمومية »، وهو ما قالت انه « مخالفة صريحة لمقتضيات الفصل الحادي عشر من ظهير التجمعات العمومية »، الذي يخول هذا الحق، على سبيل الحصر « للأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والهيئات المهنية والجمعيات المصرح بها بصفة قانونية ».
التبرير الثالث للداخلية في المنع، يكمن في « تقييمها » للظروف المحيطة بالمسيرة المرتقبة، والتي قالت ان من شأن تنظيمها أن « يمس بحق الساكنة المحلية في أجواء أمنية سليمة، لاسيما مع تزامن الدعوة المذكورة مع الموسم الصيفي ».
تبرير « لا يراعي » حجم الأزمة
تبرير وزارة الداخلية، عبر عمالتها في الحسيمة، ورد موجزا وتقنيا حصر التوضيح في « منع » المسيرة، ولم يحمل أي جواب على مضمون مطالب الحراك، أساس أزمة الريف.
عزيز إدمين، ناشط حقوقي، وباحث في العلوم السياسية، قال في حديث مع « اليوم24″، ان قرار الداخلية، في منع المسيرة، يؤكد استمرار السلطة في التعاطي مع الحلول الأمنية والقانونية.
وأشار الباحث في معرض تحليله، ان تبريرات الداخلية، أمس الإثنين، لم تراعي حجم أزمة حراك الريف، التي تشترط توفير بيئة حقوقية في المنطقة، بدل الاستناد إلى المساطر القانونية والأمنية في تبرير حربها ضد النشطاء.
مبررات « شكلية »
بالنظر إلى التبرير القانوني، لمضمون إعلان الداخلية، يتبين أنه مستند إلى أحكام الظهير الشريف رقم 377 . 58 . 1 الصادر بتاريخ 15 نونبر 1958 بشأن التجمعات العمومية، لاسيما الفصل الثاني منه.
عبد العزيز النويضي، محامي، وأستاذ جامعي في القانون الدستوري والحريات العامة، سجل في تصريح لـ »اليوم24″، ان التبريرات التي وردت في إعلان وزارة الداخلية بشأن منع مسيرة 20 يوليوز، « قانونية شكليا ».
وأشار الخبير، ان القانون المنظم الذي استندت إليه الداخلية في إعلانها، يتطلب إشعار من لدن 3 أشخاص ينتمون إلى هيئات نقابية أو حزبية أو جمعوية، قبل 3 أيام من موعد التظاهرة.
الكيل بمكيالين
وعلى الرغم من الشكل القانوني، لإعلان منع مسيرة 20 يوليوز، استدرك النويضي في معرض حديثه لـ »اليوم24″، للتأكيد كون المنع من الناحية السياسية والواقعية، يكيل بمكيالين، إزاء منع التظاهرات السلمية في البلاد.
وأفاد ان واقع وسياسة وزارة الداخلية في التعاطي مع التظاهر، يقوم على « الانتقالية » في تطبيق مسطرة المنع.
ويظهر ذلك، جليا، حسب النويضي، من سماح الدولة لتظاهرات ضد بنكيران وحزبه وشخصيات منبوذة لد السلطة، فيما لا تسمح لتظاهرات ضد سياسة الدولة. وهو ما قرأ فيه النويضي « انتقاء » من قبل الدولة.
عزيز إدامين، يتفق مع هذا التحليل، قال إن هذه « الانتقائية » تشير إلى « تواطؤ الدولة في خرق القانون ».
وأفاد ان أمر المنع، سيكون منطقيا لو كان حاصلا في جميع الأمكنة والأزمان.
منع بحكم « نزال القوة »
على الرغم من التوجه العام لوزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، في منع التظاهرات السلمية في البلاد، يظل هذا التوجه خاضعا ورهينا بمنطق « نزال القوة ».
وبهذا الصدد، سجل النويضي، ان الدولة تصمت دائما عن التظاهرات التي تكون ضخمة وذات زخم كبير، كما حصل مع مسيرات 20 فبراير و11 يونيو الماضية، في الوقت الذي تتعامل فيه بقمع شرس مع التظاهرات الصغرى، مثل تظاهرة البيدفيل الإسباني « كالفان ».
وهو ما فسره النويضي، بكون منع السلطات للتظاهرات، يتم بانتقائية وبحكم « نزال القوة »، وهو توجه سياسي تتعامل به الداخلية مع عمليات فض التظاهرات.
هذه الانتقائية في تعامل الدولة مع التظاهرات السلمية، تساءل حولها الناشط الحقوقي، عزيز إدمين، عن الجهات التي تقف وراء توريط الدولة في مثل هذه القرارات الانتقائية التي تصدر بإسم الدولة؟
وبذلك، تبقى الداخلية والأجهزة الأمنية الواقعة تحت وصايتها، رهينة لسلوك عقل أمني انتقائي عرضي، يحدد قراراته في منع /السماح لتظاهرات سلمية في البلاد، من وازع وتقدير سياسي، أكثر مما هو قانوني بحث..